لعلّ السؤال الذي يدور في أذهان وعقول الفلسطينيين في هذه الأيام هو حول حقيقة وملابسات اغتيال زعيمهم وقائد ثورتهم المعاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، خصوصًا في ظلّ ما يُحكى عن وجود أدلة على اغتياله بالسمّ، في وقت يُجمِع قياديون وسياسيون ومحللون فلسطينيون على أنّ الجهة التي تقف خلف الإغتيال هي إسرائيل التي حاولت مراراً وتكراراً النيل منه، فيما يلمّح البعض الآخر إلى أنّ جهاتٍ فلسطينية داخلية شاركت في قتل "أبو عمار" سياسياً وإدارياً قبل ذلك.
وكان عرفات قد توفي في 11 تشرين الثاني 2004، في مستشفى بيرسي بفرنسا بعد أن سمحت إسرائيل له بمغادرة رام الله للعلاج بعد تدهور حالته الصحية، ليعود إليها بعد ذلك جثمانا محمولا على الأكتاف، لتثير وفاته الكثير من الشبهات التي اختلفت كثيراً، إلى أن خلُص تقريران سويسري وروسي على أن وفاته لم تكن طبيعية بسبب المرض أو تقدم العمر، إنما جراء مادة سامة وضعت له.
عرفات قتل سياسياً قبل أن يغتال مادياً
وفي هذا الإطار، يعتبر القيادي في حركة "حماس" والنائب عنها في المجلس التشريعي يحيى موسى أنّ وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لم تكن عملاً استخباريًا أو فرديًا بل كانت عملية أقدم عليها أفراد وأجهزة، لكنه يشير إلى أنّ عرفات كان قد تعرّض لعملية اغتيال سياسي قبل ذلك، منذ فشلت مفاوضات "كامب ديفيد" وقامت الولايات المتحدة الأميركية بالاتفاق في الإطار الإقليمي مع إسرائيل وجهات فلسطينية داخلية ومن نظام السلطة نفسه، على قتل عرفات سياسياً وإدارياً.
وفي حديث لـ"النشرة"، يرى موسى أنّ الذين شاركوا في اغتيال عرفات ليسوا فقط الذين اغتالوه بالسمّ، متحدّثًا في هذا الإطار عن تواطؤ لكلّ الجهات التي ذُكرت مجتمعة وعلى رأسها مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بيروت، حينما خاطبوا "أبو عمار" عبر الفيديو كونفرنس، ولم يحركوا ساكناً ولم يمارسوا أي ضغط لرفع الحصار عليه. ويضيف: "هذه قضايا واضحة، والذي يقول لا للشعب الفلسطيني ويبقى يعبر عن الإرادة المقاومة مطلوب خنقه أو اغتياله أو تغييبه وهذا ما يجري لغزة الآن".
ويلفت القيادي في "حماس" إلى أن الجهات التي شاركت في اغتيال "أبو عمار" سياسياً وإدارياً ومادياً، لن تكون معنية بالتحقيق وكشف القتلة الماديين.
إسرائيل حاولت اغتياله مراراً
في المقابل، يشير عضو القيادة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر إلى أنه كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أن الاحتلال الإسرائيلي هو من يتحمل مسؤولية اغتيال الراحل ياسر عرفات، سيما وأنه هو الوحيد الذي له مصلحة في اغتياله.
ويرى مزهر، في حديث لـ"النشرة" أن ثمة محاولات إسرائيلية متكررة كانت واضحة للتخلص منه، وبالتالي ليس بغريب ما أعلن عنه أخيراً بأنه تعرض للتسمم عن طريق البولونيوم.
ويشدد مزهر على أن إسرائيل استخدمت أدوات محددة لتنفيذ عملية الاغتيال النكراء، لكنه في الوقت ذاته، يوضح أنه ومن المفروض أن تصل اللجنة التي شكلت في التحقيق بوفاته إلى حقائق ونتائج فعلية سيما وأنه مرَ على اغتياله تسعة سنوات.
ويعتبر أنّ "الكشف عن مرتكبي هذه الجريمة يعري الاحتلال المجرم الذي يرتكب الجرائم بحق شعبنا وهذا يسجل نقطة في التاريخ الأسود لدولة الإرهاب".
نحتاج إلى تحقيق دولي شامل
"عندما أعلن عن وفاته كانت هناك شكوك ولم يكن هناك حقائق كاملة وثابتة في مقتله بالسم"، هذا ما يؤكد عليه القيادي في حركة "فتح" فيصل أبو شهلا، الذي يؤكد على ما ذكره معهد "بيرسي" الفرنسي الذي عولج فيه الراحل ياسر عرفات عام 2004، بأنه لن يستطيع أن يثبت أنه تسمم ولا يستطيع أن يؤكد العكس، لأن السموم التي كانت متداولة ومعروفة لم يكن احدها واضح بالتحليل، لذلك ارتفعت الشبهات حينها.
وفي حديثه مع "النشرة"، يؤكد أبو شهلا أن نظرية مقتله بالسم تأكدت الآن وبات مؤكدا بأنه تم تسميمه بمادة مشعة لا تتوفر إلا في دول نووية ذات قوى، مشيراً إلى أن أصابع الإتهام تُوجّه لإسرائيل التي لها مصلحة في اغتياله وهددت بالقضاء عليه وحاصرته واقتحمت مقر المقاطعة في رام الله.
ويرى أبو شهلا أن المطلوب الآن هو معرفة كيف وصل السم إلى جسد "أبو عمار"، موضحاً أن هذا يحتاج إلى دراسة ومراجعة شاملة.
وعن تفاصيل كيفية وصول السم إلى عرفات يقول أبو شهلا: "كان هناك المئات من المتضامنين الأجانب وغيرهم من مختلف الفئات يدخلون إلى المقاطعة أثناء حصار الرئيس، وهذا يحتاج إلى تحقيق دولي شامل وموسع لتحديد من وضع السم".
السلطة مقصرة في التحقيق
وفي ذات السياق، يلفت المحلل السياسي أسعد أبو شرخ إلى أنه كان يجب التحقيق في وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، بمجرد ما توفي، من خلال تشكيل لجنة تحقيق ليست فلسطينية فقط، ولكن عربية وإسلامية ودولية، وتوجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، إذ أن العديد من القرائن كانت واضحة في ذلك الوقت تؤكد أن الأخيرة تخطط لقتل عرفات.
وفي حديث لـ"النشرة"، يؤكد أبو شرخ، أنه وفي ذلك الوقت كان هناك مخطط إسرائيلي لقتل "أبو عمار" الذي حافظ على الثوابت الفلسطينية، سيما وأن إسرائيل أرادت أن تقول بذلك لأي شخصية تأتي بعده، أن تأخذ بعين الاعتبار الانصياع لما تريد إسرائيل، وإلا سيحصل كما حصل مع عرفات.
ويؤكد المحلل السياسي أن هناك تقصيرا من قبل السلطة الفلسطينية في عدم التحقيق منذ البداية، لأنها ظنت أن إسرائيل ممكن أن تعطيها في المفاوضات ما لم تعطه للراحل ياسر عرفات.
أخيراً، يبقى السؤال عمن قتل الرئيس ياسر عرفات مفتوحاً، ولا زال الجميع ينتظر الإجابة التي ربما يحاول البعض وضع المعيقات أمام الوصول إليها، لكن اتهام إسرائيل التي اعتبرته جزءًا من المشكلة والعقبة في طريق السلام باغتياله يبقى في الواجهة..