لطالما كان معروفاً أن السجون هي للاصلاح والتأهيل.. إلا أنّ السجون في لبنان باتت تخرّج مجرمين بتفوّق نظراً لكونها لا تحترم أدنى المعايير الدولية. اليوم نضيف على تلك المعايير، المعيار البيئي الذي زال بوجود جبالة باطون تعمل الى جانب سجن زحلة للرجال، وكأنّ السجناء لا يكفيهم ما يعانونه داخل السجون.
عندما تصل الى ذلك السجن، أول ما يقع نظرك عليه هو تلك الجبالة التي تعمل ليل نهار بالقرب منه، وكلّ ما يتنشقه السجناء من تلوث... هذا إلى جانب النفايات والحشرات والأمراض والمآسي التي لا تحصى، فصدق من قال إن السجون في لبنان ليست لتأهيل المجرمين بل لإعدامهم وليس لانزال العقاب بهم. فأضحى سجناً، وحدها شريعة الغاب تطبّق فيه "القوي هو الذي يسيطر".
مقبرة للأحياء!
قبل هذه الزيارة كان لـ"النشرة" فرصة دخوله سابقاً منذ سنة ونيف برفقة إحدى الجمعيات التي تعنى بشؤون السجون، ثمانية أطباء عاينوا السجناء كافة وتولوا متابعتهم صحياً، تبين أن من بينهم مرضى في السل يعيشون داخل الزنزانات حتى دون الخضوع للعلاج، ارسلوا فيما بعد الى المستشفى. ولكن في هذه الزيارة لم يتغير علينا شيء "الروائح الكريهة" نفسها لا يستطيع المرء أن يميز اذا كانت رائحة مرض أم "وسخ"... صحت تسمية هذا المكان بـ"مقبرة للأحياء" كما وصفها أحد السجناء الموضوعين في "الافرادي" لسبب وجيه: "لا مكان له في سائر الزنزانات لشدة الاكتظاظ". وقال لنا: "الظلم كبير داخل السجن وفي خارجه"، مناشداً الدولة "بالرحمة والرأفة لحالهم فالغرفة تتسع لشخص واحد بينما يعيش فيها حوالي التسعة"، ويضيف: "لا مشكلة أن يضعونا في السجن ولكن فليتضمن الشروط الانسانية".
رجلي ستقطع!
وسط تلك الحشود التي تزدحم في الصالة يلفتك منظر سجين يقبع في الزاوية شاحب اللون لا يستطيع التحرك من شدة الألم ينظر اليك ويقول "أنظروا الى رجلي هي على وشك أن تبتر، فأنا مصاب بمرض السكري وقد زرت المستشفى، عاينني الطبيب وعدت الى الزنزانة وأقربائي يحضرون لي الأدوية دورياً".في السجن مآس كثيرة وعديدة منها ما هو قضائي ومنها ما هو انساني.
"جبل للنفايات" داخل السجن!
الى هذه الفئة من السجناء داخل القضبان السوداء التي لا يدخلها النور توجهت "النشرة". في الجانب الايسر من السجن الباحة الخارجية حيث يفترض أن السجناء يستجمون: "لحظة... لحظة ما تصور هون... تعو شيلو الزبالة من هوني" وكان المشهد المرعب. جبل من النفايات يتوسط الصالة التي توصل الى الباحة الخارجية. فسألتُ احد المولجين بالحفاظ على امن السجن والسجناء: "أيعقل أن تترك كل هذه الأكوام من النفايات داخل السجن؟"، فأجاب: "انها ترمى يومياً وعند نهاية النهار تنقل الى الخارج". من يشاهد أكوام النفايات في الداخل يدرك أن هذا المكان لم ينظف لا من يوم او يومين بل من مدة طويلة. خرجنا الى الباحة الخارجية للقاء السجناء فرأينا الأوجه الشاحبة والفرش الممزقة البالية التي تستعمل منذ عشرات السنين دون غسلها ولو لمرة واحدة.
السجون هي للمعاقبة وليست للتأهيل!
كلّ هذه الاسئلة حملناها الى آمر سجن زحلة النقيب شوقي ضامن الذي أكد ان "السجن بوضعه الحالي هو للعقاب وليس للتأهيل، خصوصاً وانه يستوعب 1000 سجين فيما يوضع فيه حوالي 3000 سجين"، ويضيف: "لا مشاغل ولا دورات تأهيل...". اما عن الحالة الصحية للسجناء فيشير الى أنه "وبمجرد أن يقول السجين "آخ" نرسل برقية الى المركز الطبي ويرسل بعدها السجين الى المستشفى". أما رئيس المركز الطبي الطبيب قاسم الشوم فيلفت الى أننا "نعمل على إنشاء مركز طبي داخل سجن زحلة حتى لا نضطر الى نقل السجناء الى المستشفيات للعلاج"، ولكن يشدد على "ضرورة زيادة عدد الاطباء في السجن لان طبيباً واحد لا يكفي لمعاينة السجناء المرضى".
بعد "العقاب" يخرج السجين من بين القضبان... ليصبح داخل قضبان أوسع، دون أية مؤهلات تسمح له المجال للإنخراط من جديد في مجتمعه. كم هي بعيدة السجون اللبنانية عن الحد الأدنى من المستوى الإنساني المطلوب منها، وكم هي بعيدة عن الحد الأدنى من الدور الإجتماعي المتوجب عليها أن تلعبه، مع الاشارة الى أن قوى الأمن تعمل أيضًا ضمن الاطار المُجاز لها في هذه الظروف وفي الحدّ الأدنى من الاماكانيات المتاحة لها.
تصوير حسين بيضون (الألبوم الكامل هنا)