دعا بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك البطريرك غريغوريوس الثالث لحام المسلمين إلى "المحافظة على الوجود المسيحي لأن بذلك محافظة على الإسلام أيضاً"، مشيراً إلى أن "وجودنا ليس لأجلنا بل لأجل المسلمين والعالم العربي"، منبّهًا إلى أنّ "تفريغ الشرق من المسيحيين هو ضرب للإسلام".
وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح البطريرك لحام أن هذا الوجود لا أهمية له إذا كان فقط لأجل الحضور بل يكون مهماً إذا جرى الحفاظ على الدور أيضاً، "فيكون الحضور لأجل التفاعل وتبادل القيم والتراث الجميل"، واعتبر أنّ "تفريغ الشرق من المسيحيين هو أداة وليس هدفاً بحد ذاته اليوم". وقال: "المسيحي لا يشكل خطراً على أحد، وإذا لم يعد موجوداً في المنطقة تتحول إلى لون واحد، وسيصبح الشرق طائفياً وسيكون الصراع اسلاميا اسلاميا وهذا سيكون لصالح إسرائيل، فهي أعلنت أنها دولة يهودية"، متسائلاً عن سبب عدم قيام العالم الغربي بأي ردة فعل "تجاه هذا الإعلان". ورأى في ذلك خطوة تمهيدية "لكي تصبح البلاد العربية دويلات منقسمة ضعيفة وفئوية وذات لون ديني واحد".
وعن المؤتمرين اللذَين عقدا في الآونة الأخيرة حول مسيحيي الشرق، أكد أنهما عبّرا عن شعور القلق عند المواطن المسيحي والمسلم، وهما بهدف إيقاظ الشعور عند المسيحيين والمسلمين بأهمية الوجود المسيحي المتضامن مع الوجود الإسلامي. وأوضح في هذا الإطار أن هذا الصف المسيحي-الإسلامي المتضامن هو الطريقة لصد التكفيرية ولإنقاذ العالم العربي. وتابع: "ربما بعض المحاولات لا تنجح دائماً، ولكنني أظن أنها كانت لها أهمية لكونها قد حدثت"، وشرح أنّ "هذه المؤتمرات تبدو وكأنها لإنقاذ الوجود المسيحي ولكن يجب أن تكون مرتبطة بالوجود والدور في آن واحد". ورأى أنه "حتى لو لم يكن هناك مقررات كان هناك شعور قوي بضرورة التضامن".
كبش محرقة
وبالنسبة إلى الوضع السوري، واستهداف المسيحيين في الآونة الأخيرة بشكل خاص، جدد البطريرك لحام التأكيد على أن "هذا الهجوم لا يأتي من المسلمين ولا من الإسلام، بل من عدة فرق لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بسوريا ولا بعالمنا العربي"، مشدداً على "أننا في بلادنا العربية تعايشنا سوياً بطريقة لا بأس فيها رغم الصعوبات، وعشنا أفضل مما عاشه الأوروبيون". ولكنه أكد أن "ما يجري اليوم في سوريا منذ أشهر، خصوصاً في نهاية الـ2012، هو ليس اضطهاداً بل بمثابة وضع المسيحيين في خانة المستهدفين"، وشرح أن "من يقوم بهذا القتل البربري لا يضطهد، لأن هدف الإضطهاد هو جذب الآخر إلى إيمانك ولكن هؤلاء لا دين لهم، وبالتالي فهذا الإستهداف ليس بمعنى الدعوة إلى الإسلام. فهنالك عدة مجموعات، لا رباط عليها ولا مرجع لها، تعبث بأمن سوريا اليوم". وأوضح "أننا لا نسمع اليوم كلمة معارضة في سوريا، فالقضايا أصبحت دون اي رباط وبلا رادع وهذا ما يشكل خطراً على المسيحيين والمسلمين".
البطريرك لحام كشف أن هناك ما يعادل الـ45 كنيسة متضررة أو مدمرة أو مستهدفة في سوريا، معتبراً أن "المسيحيين اليوم هم ضحية وكبش محرقة أكثر من كونهم هدفاً للإضطهاد".
وعن دعوته للتدخل الإيجابي للغرب في سوريا، أكد لحام أن ذلك يقضي "بوقف الغرب للسلاح وتدفق المسلحين الى المنطقة، وبأن يكون هناك إجماع للسلام، فعندما يصل الغرب إلى قناعة بضرورة إحقاق السلام سيتحقق السلام، أما اليوم، فهو ما زال متخبطاً"، مشيرًا إلى أنّ "فرض كذا وكذا على سوريا فهذا غير معقول وأي بلد في العالم لا يقبله"، لافتًا إلى انه لذلك يدعو للمصالحة بين السوريين، ولذلك يدعو المعارضة أيضاً لأن تتفضل إليه. وقال: "شرحت للمعارضة أنني مستعد لأن أحضنها تحت حمايتي في البطريركية لكي نكون مع بعضنا البعض".
وشدد على أن "استهداف المسيحي اليوم هو أداة لأجل الصراع الفئوي ولإضعاف الدولة"، موضحا أن "هذا الإستهداف لهم اليوم هو لأجل الفتنة وليس لأجل إيمانهم".
ودعا السعودية وسائر البلدان العربية اليوم إلى "دور أكبر"، موضحا أن "السعودية بلد عظيم ويجب أن يكون له دور عظيم". وقال: "اكبر ضرر على المسيحيين وعلى كل العالم العربي هو انقسام العالم العربي". وأشار إلى أن "هناك تحولا في السعودية، وأصبح هناك تطور في دورها ولم يعد الدور البدائي الذي كانت بدأت به، وبات هنالك تطور في العالم العربي ككل".
ورداً على سؤال، أوضح أنه "من النادر جداً أن يزور الرئيس السوري بشار الأسد"، وقال: "أنا أتصرف بحرية كاملة كبطريرك ولم أحمل يوماً أيّ رسالة لأحد من أي جهة كانت".
أعجوبة البابا فرنسيس
وحول انتظار دور أكبر للكنيسة اليوم في ما يجري في المنطقة، أوضح البطريرك لحام أن "دعوة البابا فرنسيس إلى الصلاة والصوم في 7 أيلول الماضي أوقفت جحافل المراكب والسفن الحربية"، مشدداً على أن "البابا غيّر العالم، بعد هذا التاريخ، ومن ثم عاد الحديث عن جنيف 2 وأصبح هنالك تقارب بين إيران وأميركا".ولفت إلى ان "سوريا رضخت بعد ذلك وقبلت بتدمير الأسلحة الكيميائية، ودخلت في المؤسسة العالمية لحظر هذه الأسلحة"، معتبراً أن إسرائيل نفسها لم تقم بهذا الأمر، ومتسائلاً "لماذا لا يقال لإسرائيل ما يقال للبلدان العربية؟ ألكي تبقى هي قوية؟"
وتابع: "يمكن القول أن البابا قام بأعجوبة والمطلوب منا كمسيحيين أن نلعب الدور ذاته، أي أن نمتص الصاعقة عن العالم العربي ونكون نحن أول من ينجو وينجي الآخرين من الكارثة". وفي هذا الإطار رأى أنه "على لبنان أن يكون له دور".
تأليف حكومة... من مستلزمات رسالة لبنان
وعبّر البطريرك لحام عن عدم إعجابه بكلمة "النأي بالذات"، مشددا على ضرورة أن يلعب لبنان دوراً إيجابيا وأن يحافظ على وحدته لأن الإنقسام اللبناني أكبر عدو للبنان.
وعن الزيارات الرسمية التي يقوم بها الرئيس ميشال سليمان، أوضح أن هذه "الزيارات يجب أن لا تكون فقط لحماية لبنان بل لتفعيل دوره". واعتبر أنه، لذلك، "على لبنان أن يقوم بدولة لأجل لبنان لا لأجل فلان أو فلان، ولا يجب استثناء بعضنا البعض لإنشاء الدولة، يجب جمع كل الفرقاء لإقامة الدولة". ورأى في ما يجري اليوم بمثابة "لعب في مستقبل لبنان"، واصفاً عدم تشكيل الحكومة بأنه "نكسة قوية جداً للبنان اليوم، ناهيك عن معاناة المواطن اللبناني، سياسياً ومعيشياً، فمن المعيب أن تنقص في لبنان مقومات الحياة الكريمة". وأوضح أن "تأليف الحكومة هو من أهم مستلزمات الرسالة اللبنانية داخلياً وخارجياً، وعلى لبنان أن يلعب دوراً لجمع العالم العربي".
وذكر بأن أمام لبنان استحقاق النازحين السوريين، مشيراً إلى أن الوجود السوري "قد يتحول إلى خطر على لبنان في حال غياب الدولة".
ووجه رسالة إلى اللبنانيين المتنازعين، داعيا إياهم إلى الوصول إلى كلمة سواء "فهم يتصارعون على المستوى السياسي وأما المتألم فهو الشعب". ووجه دعوة للجميع إلى "قمة إسلامية- مسيحية عربية شاملة".
وعن المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، نفى وجود أي معلومات حولهما. ورداً على سؤال حول المخفيين قسراً، قال: "هذا موضوع إنساني وهو في قلب قلبي وأتابع المسألة منذ زمن". وأضاف: "اليوم، إلى هذه المأساة تضاف مآسٍ كبيرة: مآسي السجون اللبنانية مثلاً، فإذا كانت هذه هي الحال في سجون بلادنا كم بالحري في السجون السورية". ودعا "لإطلاق المخطوفين والمجهول مصيرهم والمخفيين".
زيارة "غير تقليدية" للفاتيكان
وبالنسبة إلى زيارة البطاركة الكاثوليك للفاتيكان للقاء البابا في 21 تشرين الثاني، شدد على أنّ هذه الزيارة ليست عادية بل هي غير تقليدية، لافتا إلى إمكانية أن يصدر عنها إنشاء مجلس من البطاركة حول الحبر الأعظم لأن الشرق هو في قلب اهتماماته.
وعن المعلومات عن زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان، أوضح أن "أول زيارة له إلى المنطقة قد تكون أولا إلى الأراضي المقدسة"، وقال: "قد ندعوه إلى زيارة لبنان في اجتماعنا ولكن ذلك يتم بشكل عفوي، إلا أن الأولوية لأجل لبنان وسوريا والمنطقة هي الزيارة إلى فلسطين".
وكشف أنه في 30 الجاري، سيكون لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك زيارة رسمية ككنيسة إلى البابا لتهنئته على توليه منصبه.
تصوير بلال سلامة (الألبوم الكامل هنا)