ذكرت "الوطن" القطرية ان "الذين هتفوا ذات يوم في سوريا "الموت ولا المذلة"، يتكدّسون اليوم في لبنان بمئات الآلاف، لأنهم اختاروا العيش بعيداً عن جهنم الموت السوري، ولكنهم بدخولهم "الجنة" اللبنانية لم يجدوا مهرباً من الذل، لأن معاناتهم في لبنان لا تنتهي فصولها. الخريطة الجغرافية لتوزع النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية وخريطة توزّع الفقر في لبنان واحدة. فمعظم النازحين السوريين إلى لبنان هم من فقراء الأرياف السورية، وقد وجدوا ضالتهم في المناطق اللبنانية المماثلة اجتماعياً. ولذلك شمال لبنان وبقاعه يستقطبان وحدهما نحو 70 % من النازحين، ويكاد يزيد عددهم هناك على عدد اللبنانيين، في حين أن الباقين يتوزعون على ضواحي العاصمة "بيروت" والجنوب، إضافة إلى قلة قليلة من الميسورين مادياً حجزت لنفسها منذ بداية الحرب السورية شققاً سكنية في أحياء بيروت الراقية".
واشارت الى انه "بداية الأزمة السورية، كانت الأسواق اللبنانية تعج بالمتبضعات الحلبيات والحمصيات والشاميات، وأصحاب المحال التجارية كانوا يعتبرون أن مصائب الأشقاء فوائد نظراً لإقبال السوريات الكبير على التسوق، وكانت مشاهدة السيارات التي تحمل لوحات سورية أمراً مألوفاً في مراكز التسوق الراقية، ولكن سرعان ما تحوّلت النعمة إلى نقمة، إذ تبيّن أن لبنان لم يكن أكثر من محطة عبور إلى الإمارات العربية المتحدة للنازحين السوريين الأثرياء، بحيث سمحت دولة الإمارات لكل نازح لا يقل حسابه المصرفي عن 250 ألف دولار أميركي بدخول أراضيها دون قيد أو شرط، وبغض النظر عمّا إذا كان موالياً للنظام أو معارضاً له، وبات لبنان مجرد إسفنجة مهمتها تنحصر بامتصاص الارتدادات السلبية للنازحين الفقراء".
وتحدثت الصحيفة القطرية عن "تقشف دولي في المساعدات مفوضية الأمم المتحدة التي هي الجهة المخوّلة دولياً تقديم المساعدة للنازحين السوريين إلى لبنان، تقتصر مساعداتها الشهرية على 40 ألف ليرة لبنانية لكل شخص، أي حوالي 26 دولاراً أميركياً، مبلغ لا يكفي لشراء وجبة غذاء واحدة في لبنان الذي يكتوي أهله بنار غلاء المعيشة فيه، فكيف ستكون حال النازحين؟!، والأسوأ هو أن المفوضية أقدمت منذ شهرين على شطب أسماء ما يقارب ثُلث النازحين عن لوائحها، وذلك بحجة عدم توفّر الأموال لديها، ولذلك تجد أن لسان حال جميع السوريين خاصة منهم الذين يقطنون العاصمة "بيروت" أن حياتهم هي خليط من الذل والقهر والجوع والعوز والمرض، وفي مقابل كل أصناف المعاناة هذه يدفعون أموالاً طائلة كبدل إيجار غرف غير مؤهلة للسكن، إذ ينقسم السوريون النازحون إلى بيروت إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يفترش الطرقات تحت الجسور وهؤلاء قلة وعادة ما يكونون من القادمين الجدد، والقسم الثاني في مخيمي "صبرا وشاتيلا" و"برج البراجنة"، أما القسم الثالث فيتوزع في مناطق بيروت الشعبية، مع تقاسم أكثر من عائلة نفس المنزل وذلك لعدم قدرة العائلة الواحدة على دفع الإيجارات المرتفعة للمنازل التي بات إيجارها ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، وهذا ما يفسّر تسرّب اليأس إلى سوريي لبنان بشكل عام، وإلى سوريي بيروت بشكل خاص، الذين يتحسّرون على أيامهم التي تمر من دون أن يروا مستقبلاً مشرقاً للقادم من أيامهم".
ولفتت الى ان "لبنان مجرد محطة انتقالية يعيش معظم السوريين النازحين إلى لبنان، حالة خاصة لم يعتادوها في بلدهم، تتمثّل بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم، إذ أن على كل فرد منهم تأمين مأكله ومسكنه في لبنان بالحد الأدنى، حيث الحياة المعيشية الباهظة، إضافة إلى مساعدة أهله في الداخل السوري".
اضافت "هي ساعة واحدة في أحد شوارع بيروت، كافية ليدرك المرء حجم الآلام التي يعيشها النازحون السوريون في لبنان، بعدما باتوا مجرد أرقام لا تحمل أسماء، يسجّلها العدّاد اللبناني ليؤشر على مدى سوء الحالة التي وصل إليها لبنان والتي جعلت من أبنائه أقلية بين أكثريتين "فلسطينية وسورية".