ليس صعباً على ايّ محلل او متابع سياسي التحدث عن النتائج الفورية والبعيدة المدى المترتبة على إستهداف السفارة الإيرانية في بيروت، فوحدهما منفّذا الجريمة ضعيفان، والأكبر منهما هو من قرَّر استهدافها في هذا التوقيت، فما الذي يعكسه هذا الإعتداء الكبير في شكله ومضمونه وتوقيته؟
قبل أن تُستهدف السفارة الإيرانية بيومين، كانت المؤشرات كلها تدلّ الى أنّ تداعيات الأزمة السورية وتردداتها قد بلغت الذروة في مرحلة بات البحث في الأسباب المباشرة التي دفعت السوريين الى الثورة في آخر سلّم اولويات المجتمع الدولي، وفي توقيت فُتحت فيه كل الملفات الشائكة بين المتورّطين فيها من طرفَي الأحلاف الدولية والإقليمية المتنازعة على ارضها، دعماً، وتسليحاً، وتحريضاً بشكل مباشر او غير مباشر.
وتعتقد مصادر ديبلوماسية معنيّة بالملف السوري أنّ أسخف ما في البيان الذي أُذيع عن "غزوة السفارة الايرانية في بيروت"، على لسان الشيخ سراج الدين زريقات بإسم "كتائب عبد الله عزام - سرايا الحسين بن علي"، أنّ منفّذَي الجريمة ارادا لفت النظر الى "فك اسرانا من سجون الظلم في لبنان" دون اهمال اهمية وخطورة الإشارة الى المطالبة بـ"سحب "حزب الله" لمقاتليه من سوريا" .
وتعتقد هذه المصادر انّ قراراً من هذا النوع، وفي هذا التوقيت على خلفية دور إيران في الأزمة السورية، ومشاركتها في المفاوضات الشاقة مع مجموعة الخمسة "زائداً واحداً" حول ملفها النووي، ليس محلياً، ليحتسب للمساجين الإسلاميين في السجون ايّ حساب، وهو امر يدفع الى التشكيك في صدقية العملية وإمكان تنفيذها على يد مثل هذه المجموعات التي لا يمكن التقليل من أهميتها وخطورتها بمجرد اللجوء الى منطق الإنتحاريين الذي لم يُستخدم في لبنان منذ تفجير السفارة الأميركية في بيروت ومقرَّي المارينز على طريق المطار ومبنى "داركار" حيث كانت تتمركز قوات التدخل الفرنسية المتعدّدة الجنسية العام 1983.
وعليه، تتجّه الأنظار عند البحث عن الجهة التي قررت تنفيذ هذه العملية وتجنيد مَن يقوم بها، الى القوى الإقليمية والدولية القادرة على تنفيذها. ففي الأسابيع القليلة الماضية تمّ الربط المنطقي بين تفجيرات الضاحية وطرابلس وأحداث سوريا. فالتحقيقات الأولية دلت بسرعة قصوى لم يكن يتوقعها أحد الى الجهة المنفّذة، وإن إحتفظت المراجع الأمنية الى اليوم بوقائع وإثباتات سرية كثيرة تشير الى دور النظام السوري وحلفاء له في العمليات، وقد دلت عملية الأمس بشكل أوضح الى أنّ المنفّذ قرر "لعبها صولد" مع الأصيل الإيراني من دون الوكيل اللبناني بكلّ ما تحمله المعادلة من معانٍ ورسائل.
وبناءً على ما تقدّم، بات واضحاً انّ الأمور"فلتت" من يد اللبنانيين واللاعبين على اراضيه، سواء تحوّل لبنان بالنسبة اليهم "ارض نصرة" او "أرض جهاد"، فالإتهامات اتجهت فوراً الى ارض الخليج العربي وتحديداً الى المملكة العربية السعودية برسائل واضحة غير مشفّرة، على رغم النفي الإيراني الرسمي أنّ ايّ اتهام مباشر من جهتهم لم يصدر بعد، سوى ذلك الذي اتهم إسرائيل وادواتها بالعملية.
وفي خلفيات العارفين، أنّ الإتهام الثابت في الأذهان والعقول لا علاقة له بالبحث في انقاض العملية عن هوية منفّذَي الجريمة، فهما من اضعف المتهمين بالعملية واقلهم خطراً في مثل هذه المواجهات التي جنّدت لها على ما يبدو القدرات الإستخبارية والأمنية العالية الكلفة والجودة، وإن لم تكتمل العملية كما أرادها المخططون.
ويعتقد العارفون أنّ هدف العملية كان دخول السفارة وصولاً الى الطوابق السفلى حيث أساسات المبنى لإسقاطه على مَن فيه بمن فيهم السفير الإيراني غضتفر ركن أبادي والطاقم.
وأياً كانت الجهات التي خطَّطت أو نفَّذت، هناك قناعة تقول إنّ ما حصل في بئر حسن نقل آخر الملفات اللبنانية العالقة من البيت اللبناني الى حضن الأزمة السورية، ليس على المستوى الحكومي فحسب انما على مستوى العلاقات الواجب قيامها بين اللبنانيين من طرفَي النزاع وصولاً الى الإستحقاق الرئاسي. وهي عملية أعطت الإذن المباشر لحرب استخبارية خطيرة تَقرّر أن تشهد الساحة اللبنانية قسماً من وقائعها المنتظرة، فكيف وقد تبيّن أنّ المستشار الثقافي الإيراني الذي قُتل في العملية يتولّى مهمات أخطر مما يحمله اللقب الديبلوماسي في بطاقة التعريف، وأنّ مثل هذه العملية لن تمرّ من دون حساب، فُتحت السجلات بشأنها منذ اللحظة الأولى.
وأخطر ما يقال في الكواليس الديبلوماسية، إنّ الغضب الأميركي من العملية اكبر من الغضب الإيراني، وإنّ الأيام المقبلة ستلقي الضوء على هذه المعلومات للتثبّت من صحتها ودقتها، وما علينا سوى الإنتظار؟!