رليس عند قيادات التحالف السيادي الكثير تقوله في العملية الإنتحارية المزدوجة التي استهدفت سفارة إيران في لبنان. باستثناء كلمات التعازي النمطية والتذكير بأنه لولا إقحام "حزب الله" نفسه في الحرب السورية لما كان ما كان من فواجع في الضاحية وطرابلس وعلى الحدود الشمالية والشرقية، وأن الآتي أعظم إذا لم يخرج الحزب نفسه من ورطة دخلها بعيون مفتوحة.
كان رد فعل هذه القيادات رصيناً على غرار الجمهور الذي يؤيدها، ولكن غاب عنه التضامن الواسع كالذي ساد عقب تفجيري الضاحية الجنوبية. ربما هناك شعور بأن الإنتحاريين كانا يقصدان الهجوم على أرض إيران في السفارة. أما من قضوا وأصيبوا خارجها، من مذاهب مختلفة، فوقع عليهم قضاء وقدر لا يمكن ردهما.
يحضر"إذاً الكلام الأدبي الأخلاقي ويغيب السياسي. ماذا تفيد السياسة مع حزب يعتبر لبنان تفصيلاً، وحدوده وهمية، ويندفع في الصراع الكبير الدائر في المنطقة العربية للسيطرة عليها بين المجموعة العربية وإيران؟ هذا أقله ما أوحاه كلام الأمين للحزب في المناسبتين الأخيرتين اللتين ظهر فيهما. موقف يمكن تفهمه من زاوية جماعة تسأل الحزب متظلمة "ماذا تريد منا بعدما حاولت إسقاط المحكمة التي نعوّل عليها لإنزال أحكام العدالة بالقتلة في قضية اغتيال قائدنا الأسطوري وأيقونتنا رفيق الحريري، ويصادف أن المتهمين فيها من قياداتك وعناصرك ولا تسلمهم بل ترفعهم إلى مستوى القديسين والأولياء؟ فوق ذلك أجبرت نجل الرئيس، الرئيس سعد الحريري على سلوك طريق المنفى، وبعد ذلك اغتيل بتقنية احترافية عالية المسؤول السابق عن أمن الرئيس الشهيد اللواء وسام الحسن، ووقع تفجيرا طرابلس أمام مسجدين وقت الصلاة، ودافعت عن الفاعلين بعد انكشافهم كما انكشفت مؤامرة المملوك – سماحة . خلال ذلك كله لم تكف عن اعتبار يوم 7 أيار الأسود يوماً مجيداً. ماذا تريد بعد كل ذلك؟ أن نتضامن معك في ما تتعرض له بسبب إرسالك مقاتليك إلى سوريا ليقتلوا شعبها الثائر على الظلم والتائق إلى الحرية تلبية لتوجيه الولي الفقيه؟
تضامنت 14 آذار مع الضحايا وليس مع من كانوا السبب في تحولهم ضحايا. نددت بالجريمة الإرهابية البشعة لكنها على غير عادتها لم تعد تعتبر نفسها أم الصبي ويتوجب عليها باستمرار تقديم التنازلات. الحياة سلسلة تنازلات لمن لا ينتبه ويتوقف عنها.
بالطبع ليس هذا الموقف ما يطلبه الحزب في الظروف الصعبة التي يقبل عليها أو تُقبل هي عليه. يُلاحظ الحزب تهاوي منظومة الذرائع التي بنى عليها الأسباب الموجبة لاجتيازه الحدود وخوض المعارك في سوريا، في أسوأ قرار تلقته قيادته من طهران، بحسب ما تزعم وتؤمن بحقيقته قيادات 14 آذار. منظومة تقوم على مبدأ إننا نهاجم التكفيريين الإرهابيين في سوريا كي لا يأتوا هم إلينا في لبنان. ها قد أتوا إلى لبنان ملفوفين بأكفانهم ووُجهتهم الجنة مثل مقاتلي حزب الله وإن كانوا يسيرون في اتجاهين متعاكسين.
عملياً لزم الحزب الصمت. لم يخرج رئيس كتلته النائب محمد رعد إلى أضواء الكاميرات ليتهم جهة أو دولة ويهدّد، وإن اتهمت وسائل وشخصيات تدور في فلكه السعودية ومسؤولين فيها. الحزب لم يفعل وهمّه استمرار بيئته الحاضنة في الشعور بأنه حصنها وحاميها. لكن الحماية ستبدو أصعب إذا تكررت لا سمح الله العمليات الإنتحارية. ماذا يستطيع أي كان أن يفعل لإنسان قرر أن ينتحر ؟
قيل للحزب سابقاً إن التورط في سوريا وسط تصاعد المشاعر المذهبية في العالم العربي هو انتحار أيضاً . لم يصغِ . أدار الآذان الصماء لكل الدعوات والمناشدات إلى التعقل ومراعاة مصلحة الطائفة التي أخذ قرارها على الأقل. ما نفع الحوار معه إذاً ما دام خرج على كل مشترك مع بقية اللبنانيين؟ لم يعد يجدي بالنسبة إلى 14 آذار سوى الصمود والإصرار على المبدأ والتفرج على "حزب الله" في أحواله وأهواله.