على الرغم من الكم الهائل من المعلومات التي تتناول حادثة التفجير المزدوج الذي إستهدف السفارة الإيرانية في بيروت، فإن جزءاً مهماً منها لا يبدو منطقياً إلى حد ما، في قراءة مصادر متابعة، لا سيما ما يتعلق منها بالتركيز على دور الفار من وجه العدالة أحمد الأسير والشيخ سراج الدين زريقات الذي أعلن تبني "كتائب عبدالله عزام" التابعة لتنظيم "القاعدة" العملية.
في هذا السياق، تشير المصادر إلى أن الإهتمام بالرسائل التي حملتها هذه الحادثة تجاوز الحدود اللبنانية والإقليمية، حيث تلفت إلى أن أجهزة استخبارات عالمية مهتمة بمتابعة تفاصيل التحقيقات القائمة من أجل التعرف على حجم البنية التحتية التي تتمتع بها مجموعات تنظيم "القاعدة" في لبنان، والتي على ما يبدو باتت كبيرة جداً تسمح لها بالقيام بمثل هذه الأعمال، وسط معلومات تشير إلى التحضير لأخرى بالحجم نفسه.
وتلفت المصادر إلى جملة من المعطيات الخاطئة، منها الحديث عن مشاركة أكثر من جهة في التخطيط، حيث تؤكد أن هذا الأمر من الناحية الأمنية غير ممكن، وتوضح أن هذا النوع من العمليات يقوم به عدد صغير من الأفراد بهدف الحفاظ على سرية العمل، وتشير إلى أن هذا الأمر متعارف عليه بين مختلف الأجهزة لأسباب عدّة تكتيكية، وتشدد على أن العمل الذي يتطلب مشاركة خلايا متعددة في الشق التنفيذي منه يتم التركيز خلاله على عدم معرفة أي واحدة بالأخرى، في حين أن العقل المدبر لا يمكن أن يكون إلا جهة واحدة، حيث قد تكون أكثر من جهة ساهمت بالتنفيذ من خلال القيام بمهمات الرصد والمراقبة وإعداد المتفجّرات من دون إدراك الهدف منها.
في هذا الإطار، ترى المصادر أن التعرف على هوية الإنتحاريين اللذين نفذا تفجير السفارة الإيرانية هو من الأمور المهمة، لكن لا يمكن الإعتماد عليه في كشف كل الخيوط، لا سيما أن هذا الأمر تقوم به الجهة المنفذة في معظم الأحيان من تلقاء نفسها، على إعتبار أنها تكون قد خططت من أجل عدم كشف كل الخلايا التي تعمل معها عند القاء القبض على واحدة منها عن طريق الصدفة.
من ناحية أخرى، تدعو المصادر نفسها إلى عدم التركيز على دور كل من أحمد الأسير وسراج الدين زريقات، كون الأول لا يمكن الإعتماد عليه في هكذا أعمال، وتضع كون الإنتحاريين من المقربين منه سابقاً في سياق واحد من إحتمالين، الأول هو الإحتماء بالهالة التي كان يشكلها سابقاً في منطقة عبرا، أي أن اختيارهما من أجل القيام بعمل أمني ما تم منذ مدة طويلة، أما الثاني فهو أن الأمر حصل بسبب الحماسة التي كانت لدى بعض أنصار الأسير من أجل القيام بعمليات "جهادية"، لكنها تجزم أن التخطيط يتجاوز عقل الأسير الأمني الذي ارتكب هفوات مميتة خلال مسيرته.
أما بالنسبة إلى ظهور زريقات، ترجح المصادر أن يكون دوره يقتصر على هذا الأمر فقط، أي أن الشيخ "القاعدي" الهوى غير مطلع على تفاصيل العملية، والدليل هو ظهوره السريع للعلن، وتشير إلى أن إحتمال أن يكون دوره أكبر من ذلك يتطلب عدم الكشف عن هويته، والإعلان عن الانتحاريين كان من الممكن أن يتم بطريقة أخرى، إلا أنها ترى أن هذا الأمر كان مخططاً له، حيث تعتبر أيضاً أن الإعلان من قبل شخصية لبنانية، وإختيار الإنتحاريين، لبناني وفلسطيني من مخيم عين الحلوة، لم يأت من باب الصدفة بل لأهداف لدى المخططين.
في المحصلة، تجزم المصادر بوجود جهاز محترف وراء تفجير السفارة الإيرانية، وتعتبر أن كل ما يتم الحديث عنه بالنسبة إلى بعض المجموعات الصغيرة ليس إلا من باب التمويه، حيث تؤكد أن دورها لا يمكن أن يكون إلا في الشق التنفيذي فقط في حال كان موجوداً.