ثمة قضايا كثيرة وكبيرة هذه الأيام تستحق التوقف عندها باهتمام، لكن أي كلام يقفز فوق التفجير الانتحاري المزدوَج في محيط السفارة الإيرانية في بيروت سيكون من خارج الذوق العام، ذلك أن الجريمة الإرهابية النكراء أكملت فصولها بالكشف عن الانتحارييْن اللذين نفذا العملية، وهما لبناني من صيدا عاصمة المقاومة، وفلسطيني من مخيم الصمود في عين الحلوة، ولعل ما يدمي القلب أن يكشف التحقيق أن التخطيط كان بأدوات محلية صرفة.
كان يمكن لهذه الجريمة أن تمضي مع الوقت كما مضى غيرها من قبل، وتقفل على أشلاء الضحايا الأبرياء الذين حصدتهم التفجيرات السابقة، من بئر العبد والرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، إلى مسجدي السلام والتقوى في طرابلس، لولا أن الوقائع المتصلة بها توحي بمؤشرات خطيرة، انطلاقاً من المكان المستهدف، وصولاً إلى هوية المنفذين والمخططين والدافعين إلى مثل هذا العمل.
لقد تقاطرت خبرات العالم أجمع حول جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتخلص إلى توجيه الاتهام بعد أكثر من خمس سنوات، فيما تمكنت الخبرات الأمنية المحلية من كشف الجناة في هذا التفجير المزدوج في أقل من خمسة أيام، صحيح أن الأدوات التقنية لكشف الجرائم قد شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، لكن هذا لا يمنع الشك باحترافية القائمين على هذه العملية، من دون منح البراءة لجهات إقليمية بالوقوف وراءها، ولذلك كان مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان متحفظاً في اتهام دولة إقليمية كبرى، وقال: "إن الأفراد لا يفسدون علاقتنا بالسعودية".
وبانتظار جلاء الأمور من خلال التحقيق الجاري، فإن النتائج المترتّبة على هذه العملية تبرز حقائق لا بد منها:
أولاً: هذه الجريمة تجاوزت الخطوط الحمر، من خلال استهداف دولة إقليمية كبرى كإيران لها مكانتها الدولية، وحزب حليف لها له موقعه المحلي والإقليمي والدولي، وهي لن تمر من دون حساب.
ثانياً: الإرهاب لم يؤدِّ في السابق إلى أي نتيجة سياسية، ولم يدفع المستهدَفين إلى تبديل سياساتهم، بل زادهم تشبثها بمواقفهم، وهو لن ينفع مع دولة كإيران ومقاومة كـ"حزب الله".
ثالثاً: العملية التي أودت بحياة ثلة من المدنيين الأبرياء عكست تعاطفاً رسمياً وسياسياً دولياً واسعاً مع الجمهورية الإسلامية، وحققت لـ"حزب الله" مزيداً من الالتفاف الشعبي في بيئته الحاضنة على أقل تقدير.
رابعاً: خطر الإرهاب يدق أبواب العالم بدوله كافة، ومن دون استثناء، بما فيها الدول التي كانت متهمة برعايته، وعليه لا بد أن يتكتل العالم بدوله كافة لوقف هذا الجنون المدمر، وهو بلا شك قادر على ذلك.
خامساً: الإرهاب الذي يمارسه بعض الإسلاميين ليس فيه من الإسلام وسماحته شيء، فيوم فتح مكة كان رسول الله محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والسلام) متسامحاً حتى مع الكفار، وهو لم يسلك طريق الإرهاب حتى مع ألدّ أعدائه، وكذلك كان الخلفاء الراشدون من بعده، وهو القائل قي خطبة الوداع: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه.."، ويقول الله في كتابه الكريم: {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض كأنما قتل الناس جميعا}.. فهل من يرعوي؟