سيكون للبطريرك الماروني بشارة الراعي الكثير يقوله للقادة في طائفته إذا رغب في ترجمة توجهاته واقتناعاته سياسةً عمليةً، في ما يتعلق بموقع رئاسة الجمهورية والإستحقاق الذاهبة إليه، بدءاً من 25 آذار المقبل حتى 25 أيار. والمهلة داهمة.

لا يخفي الرئيس الروحي للموارنة، على ما نقل الى "النهار" بعض زواره، أنه يتمسك بمبدأين: منع فراغ كرسي الرئاسة كما حصل في نهايتي ولايتي الرئيسن أمين الجميّل وإميل لحود، وعدم التمديد قسراً للولاية الرئاسية الحالية لئلا يتكرس عدم احترام المهل والإستحقاقات الدستورية. مبدآن يلتقي عندهما مع قوى 14 آذار وإن كانت وجهات النظر معرضة للتباعد بينهما ربما عند الدخول في التفاصيل: مواصفات الرئيس العتيد مثلاً. قوي بتمثيله الشعبي أو بمواقفه والدعم من بقية اللبنانيين؟ كذلك عند البحث في الأسماء. لا سيما إذا كان عند البطريركية تفضيل.

يقول الزوار أيضاً ودوماً في الهمس، إن البطريرك لا يؤيد السير بمرشحي تحدٍ لفريق من اللبنانيين، أياً يكن هذا الفريق، لأن البلاد لا تتحمل مزيداً من التحديات. لسان حاله فلنضع في أذهاننا أن المبتغى يبقى التوصل إلى ترئيس رئيس يرضى به جميع اللبنانيين ولو بالحد الأدنى. يجوز السؤال هنا من يستطيع أن يرضي جميع اللبنانيين في غمرة انقسام عمودي وجذري، قلما شهد تاريخ لبنان الحديث مثيلاً له؟

قوى 14 آذار في المقابل لديها بلا شك ما تقوله في بكركي، في ضوء توجه لدى أحزابها وشخصياتها التي تنسق في ما بينها إلى تكثيف الإتصالات بسيد الصرح تحديداً من زاوية أن ثمة دوراً كبيراً ورئيسياً ينتظر من يقوم به، من أجل لبنان وشعبه، والمسيحيين فيه خصوصاً. دور تقدر عليه بكركي. لا يكفي أن يشكو هؤلاء المسيحيون ويتحسروا ويتأففوا مما يرونه تقلصاً لحضورهم في إدارة لبنان الدولة والسياسة، بل عليهم التحرك . عليهم فعل شيء ما بدل انتظار مبادرات وحلول من الشركاء في الوطن .

هكذا سيكون في مقدور البطريرك إذا رأى الظرف مناسباً، أن يوجه جهد البطريركية نحو جمع كلمة الأحزاب والقادة والشخصيات المسيحية على ميثاق شرف، يقضي بمشاركة النواب المسيحيين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وعدم مقاطعتها. تماماً على غرار تركيز جهد بكركي على التوصل إلى اتفاق على قانون للإنتخابات النيابية قبل أشهر من حلول موعدها الدستوري، والذي مرّ كالكرام بالتمديد للمجلس 17 شهراً. تلك الحقبة شهدت إنجازاً في الشكل عجز عنه بطاركة ورؤساء طوال عهود هو جمع من باعدت بينهم الحروب والتحالفات والخنادق السياسية من قادة الموارنة. المضمون مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" شأن آخر، تخطاه الزمن وبات خارج البحث.

يُمكن من اليوم تخيل تأثير إنجاز مماثل تحققه بكركي ومفعوله في إعادة المسيحيين إلى دورهم الرائد في احترام المؤسسات والشرعية من خلال الإنصياع لما يقوله "الكتاب"، كما كان يسمي الدستور الرئيس الراحل فؤاد شهاب. في المجلس النيابي 64 نائباً مسيحياً يتأمن النصاب بحضورهم حتماً لأن حلفاءهم سيحضرون هم أيضاً اقتداء بهم ولحماية حلفائهم ودعمهم وحماية التحالف نفسه، كل مع الفريق المسيحي الذي يتفاهم معه. وبطبيعة الحال لن يقاطع رئيس "جبهة النضال الوطني" وليد جنبلاط ونواب هذه الجبهة ولا الآخرون ممن يُعدون أنفسهم وسطيين أو غير ملتزمين، إذا وُجدوا.

بعد توفير "الأرض"، أو القاعدة هذه للإنتخابات الرئاسية من خلال ميثاق شرف يُحرّم على النواب المسيحيين المقاطعة ... يصبح في مستطاع الأفرقاء المعنيين خوض معركة الترشيح والإنتخاب كما يحصل في أي نظام ديموقراطي. وقد يكون مبرراً هذه المرة تضمين ميثاق الشرف قبول من يخالف حتى بحرمانه كنسياً، حرماناً لوّح به مرتين البطريرك السابق نصرالله صفير في وجه المتحاربين في طائفته، عسكرياً ثم سياسياً.

فالإستحقاق كبير يستحق. يرتبط به دور المسيحيين في قابل الأيام وسط منطقة تعج بصراع ضخم إسلامي - إسلامي.