تتعدّد الروايات حول حقيقة ما يجري في طرابلس قياساً على كثرة الخبراء والمحللين الإستراتيجيين الذين يقترحون الخططَ الأمنية، لكنّ وزيرَ الداخلية مروان شربل يصرّ على أنّ الحلّ يكمن في مصالحةٍ طرابلسية - طرابلسية، تُبعد شبحَ القتل والقنص عن أبنائها، فتتولى القوى العسكرية ترجمةَ هذه المصالحة أمناً وإنماءً بأقلّ الأثمان.
لا يمانع شربل مناقشة التطورات الأمنية مع إعلاميّين ومسؤولين من كل المواقع والمشارب والإتجاهات، ومع رجال أعمال وسياسيّين وحزبيّين وضباط متقاعدين عدا عن اقتراحات المسؤولين المعنيين بأمن البلاد والعباد بالإضافة الى ما تتناقله وسائل الإعلام من تصريحات ومواقف حتى تلك التي يطلقها نواب المدينة ووزراؤها. يستمع بعناية الى عشرات السيناريوهات والإقتراحات اليومية، ويفرزها وفق معايير مختلفة.
يعترف شربل امام زواره أنّ ممّن يستمع اليهم يجترح أحياناً أفكاراً كثيرة قابلة للتطبيق وخصوصاً إذا كان المتحدث يفهم ابناء طرابلس وتركيبتها الجغرافية والسياسية والحزبية والديموغرافية على دقّتها وحساسيتها، وهناك أفكار أخرى لا يمكن استيعابها او مجرد البحث فيها عندما يكون المتحدث بعيداً كل البعد عن واقع المدينة وتاريخها وواقعها وكأنه من كوكب آخر.
وفي الواقع القائم اليوم في طرابلس، يصرّ شربل على الدعوة الى مؤتمر مصالحة طرابلسي - طرابلسي قبل أيّ خطوة أخرى، يجمع جميع المسؤولين من مختلف مكوّنات المدينة السياسية والحزبية والطائفية بعد اعتراف الجميع بالجميع بلا إستثناء.
من سيحضر المؤتمر؟ وهل يمكن أن تَجمعَ قادة "الحزب العربي الديموقراطي" في بعل محسن بقادة المحاور في باب التبانة؟ وكيف تَجمعُ مسؤولي المدينة ووزراءها ونوابها في ظل المماحكات والحملات الإعلامية المتبادلة؟
يجيب شربل ببساطة، أنّ "المؤتمرَ المقترَح والواجب عقده لا يستثني أحداً من قيادات طرابلس الحزبيّين والسياسيين والوزراء والنواب إلّا مَن يستثني نفسه، والأفضل أن يسبق هذا المؤتمر سعيٌ الى توفير الدعم الخارجي من الجهات التي ترعى هذا الفريق او ذاك، بعدما تحوّلت المدينة خطَ تماسٍ اقليمياً تشتعل على وقع إشتعال الساحة السورية وتهدأ على وقع هدوئها، علماً أنّ ما يجري على ساحتها لن ينعكس سلباً أو إيجاباً لصالح ايّ من المتنازعين على الأراضي السورية، فيما النتيجة واحدة وهي المزيد من التدمير والقتل والتهجير في طرابلس".
ويضيف شربل: "على الجميع الإقتناع بأنّ أحداً لا يمكنه إلغاء الآخر أو رميه في البحر، والأخطر ما يجري اليوم في المدينة وهو اللجوء الى القوة العسكرية المفرطة، فمناطق التوتر مكتظة بالسكان والعمليات العسكرية فيها لا توفر المدنيّين الأبرياء قبل المسلحين، ولا سيما في المناطق التي تحوَّل فيها الفقراء غير القادرين على هجرتها الى اماكن أكثر أمناً، متاريسَ بشرية يتلطى وراءها القناصة المجرمون الذين لا يوفرون أحداً".
ويعتبر شربل أنّ "أخطر ما يقترحه البعض، أن يقال إنّ الحلّ عسكري أو بالقوة، فاستخدام القوة المفرطة لا يعطي نتيجة. ففي بعل محسن أو باب التبانة أو أيّ منطقة أخرى من المدينة سيكون المدنيون الأبرياء اولى الضحايا، ومن بعدهم العسكريون ورجال الأمن، وفي آخر لائحة الضحايا، المسلحون انفسهم". ويتابع: "من يدعو الجيش او أيّ قوة أمنية أخرى الى شنّ هذه المعارك الجانبية في أحياء سكنية لحسم الوضع الأمني لا يفهم حجم المخاطر الكامنة وراء هذه الدعوة، والعكس صحيح. ففي حال التفاهم السياسي يكلّف الجيش او أيّ قوة امنية أخرى تنفيذَ ما يضمن تطبيق القوانين، وخصوصاً تلك التي تضمن أرواح الناس والممتلكات العامة والخاصة ووقف الخوات ومنع الإتجار بالمخدرات والأسلحة والممنوعات. فمتى رُفع الغطاء السياسي عن المخلّين بالأمن يمكن عندها البحث في إحياء الثقة بين الناس واستعادة ما فقد منها ووقف ما يؤدّي الى الحقد، تمهيداً للبحث الهادئ في ما يضمن إنماء المدينة وتوسيع مجالات العمل فيها".
وعن القوة الامنية التي ارسلتها قوى الامن الداخلي الى طرابلس يقول شربل إنها "أُرسلت بناءً لطلب قيادة الجيش وتضمّ ما بين خمسمئة وستمئة ضابط وعسكري".
وعن تغيير القادة العسكريّين، يجيب شربل: "متى تمَّ التفاهم السياسي، تنتفي المشكلة فالقادة المحليون في طرابلس "مش فاتحين على حسابهم"، ولكلّ منهم مرجعيّته وقيادته والقول غير ذلك يجافي الحقيقة". ويختم شربل: "فليفهم الجميع أنّ الأمن في طرابلس قرار سياسي بامتياز، والدور الأمني ترجمة له".