"هاشلة بربارة مع بنات الحارة..." أغنية ترافق كل عام عيد "القديسة البربارة"، ردّدها ويردّدها الصغار والكبار مع حلول ليلة الاحتفال بهذا العيد.
تقليد من تقاليد كثيرة ميّزت "البربارة" في لبنان منذ عقود، من ارتداء اللباس التنكري والتجول في الطرقات وزيارة المنازل متنكرين، إلى تحضير أشهى الحلويات كـ "القطائف" و"المعكرون"، والقمح المسلوق. أما اليوم، فـ"عيد البربارة" يحلُّ مختلفا لأنّ ما ورثناه من عادات وتقاليد بات اليوم باهتاً وما عدنا نرى هذه الأجواء إلا في القاعات المغلقة في بعض الكنائس والحفلات التنكرية المنظمة بعيداً عن العفوية التي كانت منتشرة.
عيد "القديسة البربارة": ما هو وكيف نحتفل به؟
هو عيد، الفتاة الوثنية التي كانت تتسم بجمال فائق والتي جلدت حتى سالت الدماء منها لمجرد اعتناقها المسيحية، والتي هربت من مكان إلى آخر، مختبئة في حقل للقمح ومغيّرة البعض من ملامح وجهها هرباً من والدها، الحاكم الوثني الذي كان يريدها أن ترتدّ عن المسيحية.
هو عيد يحتفل به في 4 كانون الأول، حيث يجتهد كل ولد في إخفاء نفسه عن أصدقائه من خلال ارتدائه زيّاً تنكريا من اختياره كي لا يعرفه أحد. وفي هذه الليلة يخرج الأولاد في أزيائهم متنكرين، ويطوفون على منازل جيرانهم وأقاربهم مرددين أغنية "هاشلة بربارة"، ويتنافسون على جمع أكبر مبلغ ممكن من المال (جمع المال يأتي من مبدأ أعطنا خبزنا كفاف يومنا) والحلوى.
وترى السيدة منال في حديثها لـ"النشرة" ان "من الضروري جدا أن يعتاد أولادنا على المشاركة في هذا الاحتفال مع أفراد العائلة والأصدقاء".
لكنّ هذا العيد بدأ يفقد وهجه لدى اللبنانيين، حسب ما يشير الأب عمر الهاشم، المرسَل اللبناني الذي يرى في حديث لـ"النشرة" انهم نسوا "المعنى الحقيقي لهذا العيد"، قائلا "هناك عيدان في هذا البلد نعيّدهما مرة واحدة ونعيشهما كل يوم، هما عيد البربارة وكذبة أول نيسان، فنحن كل يوم نلبس الأقنعة ونكذب على بعضنا".
ويضيف: "نحن نعيش في مجتمع استهلاكي، لم يعد هناك البساطة والطيبة التي كنّا نعيش عليها في السابق. اليوم لا أحد يعرف الآخر، ولم نعد نعيش مع بعض بل بقرب بعض والعلاقات الاجتماعية بيننا تقتصر على القاء التحية فقط، لذلك كل التقاليد "المهضومة" التي تميز بها عيد البربارة قد ولّت وأصبحنا نستعيض عنها بالحفلات التنكرية التي لا علاقة لها بهذا العيد".
وهذا ما تؤكده السيدة جويل، التي تشير بدورها إلى ان "الاحتفال بعيد البربارة "على إيّامنا" يختلف كثيرا عن الاحتفال به اليوم. ففي صغرنا كنّا نجول الشوارع مع الاصدقاء متنكرين، إنما يقتصر الاحتفال اليوم على زيارة الأهل فقط"، وتضيف جويل "حتى أبواب منازلنا لم تعد تُقرع، وإن قرعت لا نفتح بسبب الأزياء التنكرية التي يرتديها الأولاد، وبالتالي تخيف أولادنا".
عيد "بربارة" أم "Halloween"
أزياء تنكرية مخيفة، وجوه مدممة، ملابس مغطاة بالدماء، وأخرى غير محتشمة، هذا أوّل ما رأته "النشرة" لدى قيامها بجولة على بعض المحلات التجارية. "أزياء لا تخيف الصّغار فقط، بل الكبار أيضا" بحسب جويل التي تشير إلى ان "أولادنا أصبحوا ينجذبون إلى هذا النوع من الأزياء، نظرا لكثرتها في الأسواق".
وكأننا في "Halloween"، وهو العيد الذي أكد البابا فرنسيس الأول في كلمة له بمناسبة الأول من تشرين الثاني، انه "عيد للشياطين، حيث تجوب أرواح الموتى الأرض وتجول على المنازل طلبا للمال". أين روح البراءة والقداسة في ارتداء أزياء مرعِبة وملطخة بالدماء؟ هل من خلال الوحوش و"مصاصي الدماء" نحيي ذكرى مقدّسة؟ الأزياء التنكرية هذه تكاد تحوّل شوارعنا إلى "مسلسل رعب" حيث يختبىء الجميع في منازلهم خوفا من المشاهد المرعبة والشيطانية.
وفي هذا السياق، يشير الأب الهاشم إلى انه "دخلت إلى مجتمعنا المسيحي عادات وثنية سيئة بعدما قضينا عليها سابقا"، متسائلا "كم من الجميل أن نلبس أولادنا زي فراشة أو زي نحلة؟"، مستغربا كيف أننا "أصبحنا نتقنع بأوجه للسياسيين والأشرار".
المسؤول: نحن جميعا!
"ممنوع على أحد ان يقول أنه غير مسؤول عن ارتداء هذه الأزياء المخيفة وانتشارها في مجتمعنا". هذا ما يؤكده الأب الهاشم، مشددا على اننا "جميعنا مسؤولون".
ويؤكد أيضاً ان "الرقابة يجب ان تبدأ منا، من الأهل ومن المدرسة ومن الكنيسة لمنع انتشار هذه الأزياء، من خلال مقاطعة هذه السلع والعودة إلى التنكر البسيط والبريء".
ولا يغفل الاب الهاشم عن إلقاء بعضٍ من هذه المسؤولية على الدولة، فيعتبر أن عليها "مراقبة السلع التجارية التي تدخل إلى لبنان لنشر الشرّ والخوف لدى أطفالنا".
إذا، تقاليد وعادات باتت شبه مندثرة، وعيد "القديسة بربارة" يفقد وهجه ومعناه سنة بعد سنة، والمسؤولية تقع على مجتمع قرر أن يدير ظهره عن عادات ورثها لينظر إلى تقاليد لا تشبهه فيستوردها بعماء دون مقاربتها مع معتقداته وحضارته.