حدث ما حذرنا منه. الـ"تسونامي" ضرب بموجته الأولى حي الناعورة المعروف بحي الخندق في بعبدا بعد أن أدّت الردميات المحاذية للحي إلى تغيير معالم الوادي وإقفال عبّارة المياه، فارتفع منسوب المياه إلى 5 أمتار، وفجّر أحد جدران الدعم، في وقت يتخوف فيه الأهالي من الآتي...
سلامة أكثر من 50 عائلة مهددة بانتظار صدور قرار المحكمة بالدعوى التي رفعها أحد المواطنين، رامي رياشي، باسم أهالي الحي، لدى قاضي الأمور المستعجلة ضد المستثمر الذي قام بردم الوادي. فالجلسة متوقعة في 17 الجاري، ولكن... "هل يجوز الإنتظار؟ فماذا ينفعنا اليوم إذا سقط المبنى أو أحد جدرانه ومات الناس ومن ثم صدر الحكم؟ ومن يتحمل هذه المسؤولية؟"، سؤال طرحه مختار الحدت ناجي أسمر، مذكراً "بأننا سبق وأنذرنا في نيسان وأيار ومن ثم في تموز ونبهنا إلى خطورة الأمر".
المنظر "مرعب" والآتي أعظم!
خلف حي الناعورة، تلّة مستحدثة منذ سنوات عدّة أيام سكّة الحديد وتدعى تلّة السكّة، قد تنهار في أي لحظة على المباني المجاورة لأن مياه الأمطار لم تعد تنزل إلى العبّارة بسبب تغيّر معالم الأرض، وتحوّلها من وادٍ إلى مكان مسطّح، وبالتالي، فمع أمطار الشتاء الأولى، تجمعت المياه فشربتها التلّة وباتت تخرج من كل صوب، وهذا السبب الذي أدى إلى انهيار حائط الدعم. أما المياه التي تمكنت من الوصول إلى العبارة، فحملت معها كل النفايات المرمية والأتربة وسرعان ما أقفلتها، فعمل أهالي الحي بالتعاون مع الدفاع المدني على فتحها. ويصف رئيس جمعية "الأرض- لبنان" بول أبي راشد الذي عاون شباب الحي بعملية فتح العبّارة، المنظر الذي رآه ليل أمس بـ"المرعب"، ويقول: "ما شاهدناه يشبه انهيار السدود، فقد سقط جلّ بكامله امام أعيننا".
أبي راشد يستنكر عدم تنفيذ ما طالب به التنظيم المدني لجهة إعادة معالم الأرض إلى ما كانت عليه قبل الردمية، وعدم تضمين قرار محافظ جبل لبنان القاضي بوقف الردم في ذلك العقار إزالة ما تم رميه، معتبراً "أننا ما زلنا في البداية، والآتي أعظم إذا لم يتم الإزالة فوراً".
"لا تشكل خطراً أبداً أبداً أبداً"؟
المختار يحمّل مسؤولية ما يجري اليوم بشكل كامل على رئيس بلدية بعبدا هنري حلو الذي حاولنا مراراً الإتصال به إلا أن خطّه بقي مقفلاً، ويعتبر ان حلو "لا يهتم لسلامة الناس".
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن رئيس بلدية بعبدا كان قد تحدث لـ"النشرة" في 4 تموز الماضي، مشدداً على ان الأعمال التي تجري في ذلك العقار الواقع ضمن منطقته "لا تشكل خطراً على أهالي الحدت أبداً أبداً أبداً" وأن الأعمال الجارية بعيدة عن الحدت.
وكان قد أعلن أن البلدية هي التي سمحت لأصحاب الأرض بالردم بهدف "إنشاء طريق تؤدي إلى عقارهم تجنباً للبناء العشوائي"، مشيراً إلى أن "الأعمال تجري تحت إشراف البلدية وليس بطريقة عشوائية".
ولكن، عشوائية أو غير عشوائية، فإن الخوف الذي عاشه بالأمس أهالي حي الناعورة أكبر دليل على خطورة ما يجري. فقد فكّر بعضهم حتى بإخلاء منزله بحسب المختار أسمر، واصفاً هذا الأمر بالـ"غير مقبول"، ومؤكداً ان الجميع غاضب مما يجري.
كمجرى الليطاني...
أحد المواطنين الذين التقيناهم قرب مكان الردمية، وفضل عدم الكشف عن اسمه حفاظاً على مصلحته في المنطقة، شرح أنه أمضى ساعات الليل الأولى حاملاً الرفش في يده، محاولاً تقليص الأضرار إلى الحد الأدنى، مشبّهاً ما جرى بالأمس بمجرى نهر الليطاني من حيث التدفق والغزارة. اما رامي ريشاني، الذي تقدم هو بالشكوى القضائية باسم اهالي الحي، فأكد لـ"النشرة" خلال جولة قمنا بها أن "لا مجال لترك التربة والردم على حاله وكأن شيئاً لم يكن"، مشيراً إلى أن مستودع المبنى الذي يسكن فيه كان ممتلئاً بالأمس بالوحول ومياه الأمطار وأن شباب الحي قاموا صباح اليوم أيضاً بخفض منسوب المياه.
ويضع ريشاني الكرة بملعب القضاء الذي يجدر به اليوم أن يأخذ قراراً واضحاً إما لحماية مصالح مستثمر على حساب سلامة المواطنين وإمّا حماية الناس.
هكذا إذاً، قرّر أحد المستثمرين تغيير معالم الطبيعة، بموافقة وحماية بلدية بعبدا، وبحجة شقّ طريق. فحتى متى يدفع المواطن الثمن؟ وإلى متى تبقى صرخته غير مسموعة؟ فها قد أتى فصل الشتاء، وأتى معه ما كان متوقعاً منذ أشهر... فهل قدر المواطن اللبناني الا يتحرّك مسؤولوه إلا بعد فوات الأوان؟
تصوير محمد سلمان (الألبوم الكامل هنا)