صحت المعلومات التي كانت قد كشفتها "النشرة" حول مشروع أميركي لفرط عقد مجلس التعوان الخليجي وتفريغه من مضمونه، في مشهد سلطت تطورات الساعات الأخيرة الماضيةى الضوء عليه، بدءاً من موقف وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي الرافض لتحويل المجلس إلى اتحاد مروراً باعلان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز عن استعداده للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني تعبيراً عن عدم انزعاج بلاده من التقارب الايراني الغربي، على عكس السعودية التي تضغط باتجاه الحد من ارتداداته عليها وانتهاء باعتذار قناة "المنار" واذاعة "النور"، وهما الذراع الاعلامية لـ"حزب الله" من المنامة على خلفية ادائها الداعم للمعارضة البحرينية في المرحلة السابقة.
ويأتي الموقف العماني، قبل أقل من يومين، على انعقاد المجلس في الكويت بمثابة الضربة القاضية لمشروع الملك السعودي عبد الله الثاني، الضاغط باتجاه تحويل المجلس إلى اتحاد متكامل يتستر بالعباءة السعودية، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على زيارة السلطان قابوس بن سعيد إلى ايران واستضافته لقاءات سرية بين المفاوض الايراني من جهة والأميركي من جهة ثانية، بيد أن علوي أعرب عن استعداد بلاده للانسحاب من مجلس التعاون الخليجي في حال نجاح الجهود لانشاء اتحاد بين الدول الست بدلاً من مجلس التعاون الخليجي، حيث قال في أعقاب مداخلة نادرة له في الجلسة العامة لـمنتدى الأمن الإقليمي في المنامة، أنه في حال إنشاء الاتحاد لن يعود مجلس التعاون الخليجي قائماً لأن الاتحاد هو الجديد الذي يحلم حله ليضم أربعة دولاً وخمسة أو ثلاثة وليس ست دول، بما يعني أنه على مجلس التعاون السلام حتى لو بقيت الأمور على حالها باعتبار أن الملف السعودي المطروح لن يقفل على توافق.
بدوره، أسس الموقف الإسرائيلي لما يمكن اعتباره خرقاً للتفاهم غير المعلن مع المملكة، خصوصاً أن تل أبيب لا تبدو متضررة من الإتفاق بشكله النهائي باعتباره مكملاً للإتفاق الكيمائي السوري في ظل حقيقة لا يمكن تجاهلها على الاطلاق، وهي أن اسرائيل كسبت الرهان على الحد من أخطار السلاحين الاستراتيجيين عليها عبر تدمير الكيمائي السوري ووقف انتاج النووي العسكري الايراني، بما يشكل ضربة ثانية للملكة المتحفظة على الاتفاق والساعية سراً إلى اجهاضه قبل أن يصل إلى مرحلته الثانية، وما يليها من رفع عقوبات واعادة الدورة الاقتصادية الايرانية إلى مسارها الطبيعي الذي قد يلغي دور المملكة في المنطقة بعد أن تحولت طهران إلى دولة كبرى قارعت الدول الغربية وأسست إلى تفاهمات ندية معها .
ليس بعيداً عن ذلك، يأتي موقف "حزب الله" من البحرين بمثابة جائزة ترضية لها على اعتبار أن ما يهمها من الربيع العربي هو الإبقاء على نظامها من دون تعديلات جوهرية من شأنها تغيير المشهد الداخلي، وإن كانت السياسة الخارجية للدولة الخليجية الأقل قدرة على المواجهة ستأخذ بالاعتبار التحولات الدولية وتداعياتها على العالمين العربي والاسلامي.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند اعلان أمين عام "حزب الله" عن لقاءات جمعته بالقيادة القطرية، في وقت أعلن فيه العداء الكامل للسعودية ما قد يؤسس إلى جبهة خليجية جديدة تقودها سلطنة عمان، وهي الشريكة الجغرافية لايران بالنسبة لمضيق هرمز، والتي لم تتدخل أصلاً بالأزمة السورية، بل على العكس فانها عملت من تحت الطاولة للحد من قساوتها، تضم اليها البحرين وقطر، في مقابل جبهة ثانية تقودها السعودية من المرجح أن تقف الكويت حيالها موقف وسطي يؤسس إلى اعادة وصل ما إنقطع من خلال الإبقاء على مجلس أشبه ما يكون بالمجلس الاقتصادي البعيد عن حيثيات الاتحاد والتكامل.
ونظراً إلى دوران الدول المعنية مجتمعة بالفلك الأميركي، لا بد من طرح علامة استفهام حول دور واشنطن في تعقيد الأمور واعادة عقارب الساعة الخليجية إلى الوراء، في مشهد يحذر الدول الخليجية من التعرض لمصالحها الاستراتيجية والحيوية.