لم يأتِ السجال "الناري" بين الوزيرين غازي العريضي ومحمد الصفدي من فراغ..
هو أصلاً ليس السجال الأول من نوعه بين وزيرَين يُفترض أنّهما شريكَان في حكومةٍ واحدةٍ، هي الحكومة المستقيلة، الحكومة التي وُصِفت يومًا بأنّها "حكومة اللون الواحد"، ويبدو أنّه لن يكون الأخير، طالما أنّ هذه الحكومة "باقية" بحُكم "الأمر الواقع" إلى أمدٍ غير معلوم..
لكنّ السجال الذي أتى على خلفيّة الأضرار التي سبّبتها الأمطار الأخيرة اكتسب أهمية استثنائية لكونه أتى عشية العاصفة المنتظَرة، المدعوّة "ألكسا"، والتي يُخشى أنها قد تجلب معها المزيد من الفضائح التي تحسّب لها وزير الأشغال العامة على ما يبدو، فـ"اعتذر" عنها سلفًا، راميًا الكرة سريعًا في ملعب وزير المال، الذي رفض تلقّفها وأعادها له، في مشهدٍ قد يتكرّر خلال أيام مكوث "ألكسا" ورفيقاتها في الربوع اللبنانية..
بين العريضي والصفدي..
إذًا، "اشتعل" الخلاف بين وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي ووزير المال محمد الصفدي، فخرج إلى العلن، وسط "اتهاماتٍ" تبادلها الوزيران في ما اعتبره البعض محاولةً لـ"تغطية" تقصيرٍ ما في مكانٍ ما أدّى إلى ما حصل الأسبوع الماضي وما سيحصل على الأرجح خلال الساعات المقبلة من فيضاناتٍ وأزماتٍ وغيرها من الأمور التي من شأنها تحويل العاصفة من "نعمة" تفيض بها السماء إلى "نقمةٍ" على الأرض.
وزير الأشغال افتتح "البازار" من خلال مؤتمرٍ صحافي كان عنوانه في "الظاهر" الاعتذار من المواطنين عمّا حصل يوم الأربعاء الماضي، فيما تحوّل "باطنه" لسلّة من الاتهامات وجّهها إلى وزير المال محمد الصفدي في مجموعةٍ واسعةٍ من الملفات، أولها ما أثاره عن ربط صرف مخصصات وزارة الاشغال بتمرير مخالفات ارتكبها الصفدي ورفض العريضي توقيعها وعدّد منها بناء ميناء من دون ترخيص على الاملاك العامة البحرية ومشروع "الزيتونة باي"، كما فجّر العريضي قنبلة اخرى في شأن تلزيم اعمال صيانة المطار والتي تشمل تنظيف النفق، معلنا ان عقد شركة "الميز" جُدّد من دون مناقصة طوال خمس سنوات وحمل الشركة مسؤولية عدم تنظيف النفق.
ردّ الصفدي أتى سريعًا حيث وضع كلام العريضي في اطار "حملة سياسية لتبرير نفسه وتقصيره"، ورد على اتهامات العريضي له في موضوع المخالفات العائدة الى املاكه، داعيا الى تاليف لجنة من التفتيش المركزي او القضاة او السياسيين ووسائل الاعلام، واصفًا الاتهامات التي وجّهها له بالأكاذيب، مؤكدًا أنّ كلّ ما لديه مرخص وقانوني.
لا شيء يستدعي جلسة للحكومة!
وبعيدًا عن "الاشتباك" الكلامي بين الوزيرين "المصرّفَين"، وبعيدًا عن كلّ الملفات العالقة ولا سيّما الحساسة منها، من الملف النفطي إلى الأمني وغيره من الملفات، لفتت "رصاصة الرحمة" التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بقوله أنّ لا داعٍ على الإطلاق لعقد مثل هذه الجلسة " الا في حال طلب قائد الجيش او وزير الدفاع امرا يستلزم عقد جلسة مثل اعلان حال الطوارئ"، مشيرًا إلى أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يفاتحه أبدًا في هذا الموضوع وأنه قرأ عنه في الصحف.
وفيما لفت كلامٌ لوزير الطاقة جبران باسيل بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة تأكيده أن حضور جلسة مجلس الوزراء رهن بجدول أعمال، ورأى أنه "كما من حق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يدعوا الى جلسة، فمن حق الوزراء أن يحضروا أو لا"، برز حديث رئيس المجلس النيابي للمرة الأولى عن الانتخابات الرئاسية، حيث شدّد على أنّ انتخابات رئاسة الجمهورية هي من البديهيات، "والبديهيات هي الأساس دوماً، والانتخابات الرئاسية هي مطلع هذه البديهيات، وإنّ إجراء هذه الانتخابات هو اكثر من ضرورة، وعلى جميع النواب حضور جلسة انتخاب الرئيس الجديد، ومن يكون مسافراً عليه حضورها، فيجب أن لا نكتفي بالثلثين فقط، لأنه في ظلّ الفراغ الحكومي وتعطيل مجلس النواب اذا فشلنا في انتخاب رئيس جمهورية نكون كمَن ينحر البلد".
وسط ذلك، استحوذ اتهام "الجيش السوري الحر" لـ"التيار الوطني الحر" بإرسال المقاتلين إلى سوريا على الاهتمام المحلي، وهو الأمر الذي استغربه رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، مشيرًا إلى أنّه لو أراد القيام بذلك لفعله بالعلن وأنه ليس لديه مليشيا ولا نية لديه بذلك، متسائلا "هل يخططون لعمل عدواني ضدي؟"
كلمة أخيرة..
بعيداً عن الفضائح والاتهامات المتبادلة، وبعيداً عن أجواء التوتر والتشنج التي تسود البلاد، وبعيداً عن التضامن والوحدة وغيرها من الشعارات التي باتت حبرًا على ورق، المطلوب اليوم إدراكٌ ووعيٌ حقيقي لمواجهة المرحلة بأقلّ الأضرار، خصوصًا أنّ كلّ المؤشّرات لا تدلّ إلا على الضبابية..