هي "ألكسا"، نجمة الساحة اللبنانية هذه الأيام، ومحور الحديث شبه الأوحد في كلّ الصالونات، السياسية وغير السياسية..
هي "ألكسا" التي شغلت الناس عمومًا، ليس لأنّ لبنان بلدٌ صحراوي مثلاً لم يشهد قبل اليوم عاصفة في عزّ شهر كانون الأول، وليس لأنّها عاصفة فريدة من نوعها لم يمرّ على البلد شبيهٌ لها، بل لأنّ "الإهمال" الذي امتازت به الدولة اللبنانية، الغارقة في "فضائحها" التي لم يعد ينفع معها "تجاذب" الكرة والمسؤوليات، بات يتطلّب اليقظة الدائمة تحسّبًا للأسوأ والأخطر، وقبل كلّ ذلك لأنّ الجمود المملّ والفراغ القاتل الذي تعاني منه الساحة السياسية لم يترك مجالاً لأيّ حديثٍ آخر..
هكذا، بين الاستشارات المجمّدة لتشكيل حكومة سُمّيت قبل ستّة أشهر بحكومة "المصلحة الوطنية"، وبين الدعوات لما سُمّي بـ"تعويم" الحكومة أو أقلّه عقد جلسةٍ يتيمةٍ لبحث الملفات الطارئة والتي تصطدم بمعارضاتٍ بالجملة، وبين بدء العدّ العكسي لمعركة الرئاسة التي يبدو أنّها ستضيف مادة جديدة لمسلسل "الفراغ" المتكامل، وحدها "ألكسا" استطاعت أن توحّد اللبنانيين على "أولوية" الدفء!
عاصفة لم تخرج عن المألوف..
رحمت "ألكسا" اللبنانيين. هكذا، علّق البعض على مسار العاصفة المدعوة "ألكسا" التي كثر الحديث عنها قبل أن تصل إلى الربوع اللبنانية، فإذا بها تأتي أقلّ بكثير من المتوقع، وإن كانت تقديرات مصلحة الأرصاد الجوية لا تزال ترجّح اشتدادها خلال الساعات المقبلة. لكنّ الأكيد أنّ المؤشرات الأولية لهذه العاصفة أنّها أتت أكثر من عادية، وأنّ الأمطار التي هطلت هي أمرٌ طبيعيٌ في عزّ شهر كانون الأول، إلا إذا كان لبنان قد تحوّل إلى بلدٍ صحراوي مثلاً، وتوحّد الكثيرون على أنّها لم تكن تستدعي تعطيل المدارس الرسمية والخاصة، وإن وُضِعت هذه الخطوة في سياق "الإجراءات الإحترازية" تفاديًا لـ"كوارث محتملة"، كتلك التي حصلت قبل أسبوع، ولا تزال الدولة تلملم تداعياتها حتى اليوم.
واذا كانت أكثر المناطق لم تشهد امس اضرارا كبيرة، فان الانظار اتجهت الى تجمعات اللاجئين السوريين ولا سيّما في المناطق البقاعية، ومنها عرال، حيث سقطت بعض الخيم على النازحين، مما أجبرهم على تركها والانتقال الى خيم أخرى، فيما اضطرّ عدد منهم لإزالة الثلوج كلّ ساعة عن سطح الخيمة حتى لا تقع، كما طافت المياه في أرض الخيم، حسب ما أفاد مراسل "النشرة" في البقاع.
وفي حين أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ فرقها واصلت بالتعاون مع وحدات الجيش والمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الانسانية توزيع المساعدات الطارئة في عدد من المناطق على اللاجئين السوريين، وأشارت الى تسليمها مساعدات تحصّن خيام اللاجئين في بلدات بريتال وشعت وحوش النبي على ان يستكمل التوزيع اليوم في مشاريع القاع والخضر وإيعات وحربتا وشليفا ودير الاحمر كما ستنظم قافلة مساعدات الى عكار، لفت قول وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أنّه "مرعوب"، وقال: "نحن كوزارة لا نمون على خيمة، ونحاول أن نعمل جاهدين من خلال الهيئات الدولية"، وأضاف: "الصقيع سيجرف ناساً، ولا حيلة في يد الدولة إلا القول: "الله يستر"، وعلى هذا الأساس، كل ما يمكن أن نفعله هو محاولة التخفيف من وطأة الكارثة وليس مواجهتها".
مقابلةٌ تتحوّل إلى "حدث"..
في السياسة، شكّل الحديث التلفزيوني الذي أدلى به المحقق السويدي السابق في لجنة التحقيق الدولية بو أوستروم والتي رسم فيها علامات استفهام حول غياب رئيس فرع المعلومات السابق في قوى الأمن الداخلي اللواء الشهيد وسام الحسن عن موكب رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري يوم اغتياله، مادة للتجاذب السياسي، حيث تمّ التصويب مجدّدًا على "الإعلام"، ولا سيما تلفزيون "الجديد" الذي عرض حديث الأخير، وهو تجاذبٌ دخل على خطه المحقق السابق ديتليف ميليس نفسه الذي خرج عن صمته ليعلن أنّ الحسن لم يكن مشتبهًا به في يومٍ من الأيام.
هكذا، رأى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أنّه "من المستغرب، لا بل من المقزز للنفس أن يصل الهذيان الاعلامي والسياسي إلى محاولة اتهام شهيد بالضلوع في اغتيال شهيد"، كما قال، متوجّهًا إلى من يقف وراء بث المقابلة بالقول أن "القطار قد غادر المحطة، وأن رمي القمامة على سكته لن ينفع في وقفه، وأن لقاءه مع العدالة والحقيقة واللبنانيين وجميع محبي رفيق الحريري ووسام الحسن من العرب وفي العالم، بات قريبا جدا". وفي السياق نفسه، أكد المدير العام السابق لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي أنّ "ما ورد حول أن الشهيد الحسن حدد مسلك سير موكب الحريري، هو كلام غير مسؤول وغير علمي، ويدل على إفلاس كبير"، موضحًا أنّ "الشهيد الحسن لم يحضر في 14 شباط 2005 الى قريطم كونه استأذن الحريري لإداء امتحاناته الجامعية، وحسب القواعد المتبعة فإن من يغيب عن الموكب لا يحدد مساره".
في المقابل، اعتبر المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد أن تصريحات المحقق السويدي السابق في لجنة التحقيق الدولية بو أوستروم، وأن ردود الفعل الصادرة عن الحريري وريفي والصحافي فارس خشان ورئيس لجنة التحقيق الدولية السابق ديتليف ميليس، كلها تعطي مؤشراً جيداً على "انفراط عقد أركان مؤامرة شهود الزور الذين تعاونوا معاً في عام 2005 لتوجيه التهمة زوراً إلى الضباط الأربعة واعتقالهم سياسيا".
مجلس التعاون يدين..
وفي السياسة الداخلية أيضًا، استحوذ البيان الصادر عن مجلس التعاون الخليجي على حيّزٍ من الاهتمام، خصوصًا أنّه تناول في جزء منه الملف اللبناني حيث دان التفجيرات الارهابية الأخيرة في لبنان والتي راح ضحيتها العديد من الابرياء، كما دعا لسرعة تشكيل الحكومة بما يحفظ للبنان كيانه من تداعيات الأزمة السورية، مطالبًا في الوقت عينه بخروج ما أسماها "ميليشيات حزب الله من سوريا".
من جهة ثانية، بقي موضوع "تعويم" الحكومة محور أخذ وردّ، خصوصًا بعد معارضة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لطرح عقد جلسةٍ حكومية لبحث الملفات الطارئة، وهو ما وضعه وزير الاقتصاد نقولا نحاس، المحسوب على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في إطار "التمايز الطبيعي والسليم" بين الرجلين، مؤكدًا أنّ الفكرة لا تزال قيد التشاور وهي لم تسقط بعد.
إلى ذلك، نقل النواب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاء الاربعاء النيابي ان صيغة حكومة 6+9+9 ما تزال هي الصيغة المقعولة والمقبولة، ناصحاً الا يفكّرنّ أحد بأية مغامرة في البلد. واكد بري مرة أخرى على وجوب تحلّي الجميع بالمسؤولية لمواجهة الاستحقاقات الراهنة والمقبلة.
كلمة أخيرة..
"ألكسا" رحمت اللبنانيين فأتت أقلّ من المتوقع، ولم تكن أضرارها، أقلّه لغاية اللحظة، بالحجم الذي تخوّف منه المواطنون، ربّما لأنّ حالة "الاستنفار الرسمي" غير المسبوقة التي أحاطت بها خفّفت من وقعها بعض الشيء..
"ألكسا" رحمت اللبنانيين، لكنّ السؤال يبقى عمّا إذا كان المسؤولون، شركاؤهم في الوطن وأبناء بلدهم، سيرحمونها فيخلّصونهم من الأزمات التي باتت ترهق كاهلهم، ويعيدون الأمن والأمان إلى الوطن عشية الأعياد المجيد، أم أنّ مسلسل الفراغ وما هو أخطر منه سيستمرّ إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا؟!