يعد اضطرار اللواء سليم ادريس رئيس اركان "الجيش السوري الحر" الى ترك مقره في شمال سوريا والمغادرة الى تركيا او الدوحة ضربة مباشرة الى العاصمة الاميركية وجهودها في الازمة السورية باعتبارها وضعت كل رهاناتها مبدئيا عليه علما انها تتحمل وحدها المسؤولية في تراجع من تعتبره معارضة معتدلة. اذ هي قالت بوجوب التوظيف في هذه المعارضة ومضت في الاشادة بإدريس تمهيدا لجعل هذه المعارضة بديلا من النظام ورئيسه في حين انها لم توظف ما هو كاف لمساعدتها فأخلّت مرارا بوعود قطعتها بتقديم أسلحة ومعدات عسكرية كان أبرزها في الربيع الماضي ثم عزفت عن ذلك. وكانت شخصيات ووسائل اعلام اميركية سباقة في القاء اللوم على ادارة الرئيس باراك اوباما لاخلالها بالتزام دعم المعارضة المعتدلة مما ساهم في ترك الساحة للمتشددين. اذ رفعت واشنطن سقف الآمال والتوقعات في نهاية آب الماضي ايضا حين أعلن الرئيس أوباما عن ضربة عسكرية للنظام وعدل عنها في الصفقة التي ابرمها مع روسيا وقضت بنزع السلاح الكيميائي لدى النظام. وتواجه واشنطن التحدي في شكل خاص في ظل الاعداد المحموم لانعقاد مؤتمر جنيف - 2 في 22 كانون الثاني المقبل وعشية اجتماع مرتقب بينها وبين روسيا والامم المتحدة من اجل الاتفاق على توجيه الدعوات وتقرير من سيحضر وسائر الامور الاجرائية. وقد سارعت واشنطن ولحقت بها بريطانيا في الاعلان عن وقف المساعدات غير القاتلة التي كانت تقدمها الى شمال سوريا باعتبار ان هذه المساعدات وقعت في يد المعارضة غير المعتدلة بغض النظر عن مدى فعالية هذه المساعدات للمعارضة. لكن التحدي بالنسبة الى واشنطن يتمثل وفق ما يرى مراقبون ديبلوماسيون في كيفية الدعوة الى مؤتمر جنيف - 2 في ظل تطورات لا تنحو في الاتجاه الذي يؤمل من هذا المؤتمر ان يؤدي اليه. فعلى غير ما اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري في قطر في ايلول الماضي في اثناء جولة له في المنطقة حين قلل من أهمية المكاسب والجولات العسكرية على الارض لجهة ان الانتقال السياسي هو السبيل الوحيد لانهاء الازمة السورية في حين تشتد المعارك من أجل تعزيز المواقع وكسب الاوراق على نحو لا يسمح لمؤتمر جنيف ان ينقض او يأتي بنتائج مخالفة للواقع الميداني. لكن مؤتمر جنيف - 2 قد يكون بات في مأزق اكبر ليس بناء على هذا الواقع فقط بل لجملة اعتبارات من بينها سيطرة جهات اسلامية على المعارضة السورية المعتدلة في الوقت الذي رفضت واشنطن حتى الامس القريب الاعتراف والتحاور مع هذه الجهات على رغم عدم ارتباطها بتنظيمي داعش والنصرة المتطرفين. يضاف الى ذلك رفض هذه المعارضة المتمثلة في الجبهة الاسلامية العريضة التي تألفت الشهر الماضي وجمعت مجموعة تنظيمات اسلامية الذهاب الى جنيف - 2 والاعتراف به. ويتعين تاليا على الولايات المتحدة ان تتحدث مع هذه الجهات التي تضع شرطا وحيدا هو تنحي الاسد من اجل ان توافق على المشاركة في المفاوضات في مؤتمر جنيف - 2 او مؤتمر مونترو بناء على نقل المؤتمر الى مدينة مونترو السويسرية بدلا من جنيف.
ويتابع المراقبون عن كثب تحديات واشنطن على هذا الصعيد خصوصا، باعتبار ان روسيا تدعم مع ايران النظام السوري بأهداف واضحة، في حين ان الكرة في ملعبها في جنيف - 2 بغض النظر عن واقع عدم مراهنة كثر على المؤتمر لانهاء الازمة السورية وعلى رغم عدم ايلاء الادارة الاميركية اهمية قصوى للازمة السورية. لكن التساؤلات تتركز عما اذا كان الاعتماد على المعارضة التي تمثلها الجبهة الاسلامية سبيلا ناجعا للملمة المعارضة صاحبة النفوذ على الارض ودفعها الى تسلم زمام الامور في المفاوضات مباشرة او بالواسطة ام ان الارتباك في التطورات الميدانية قد يفضي الى ارجاء جنيف - 2 لئلا تأتي نتائج متسرعة او غير مضمونة. وتنسحب التساؤلات في الوقت نفسه على اضطرار الولايات المتحدة الى اللعب بقواعد الدول الاقليمية او ترك الميدان السوري للدول الاقليمية بين تنظيمات مدعومة من ايران تحارب الى جانب الاسد وتؤمن صموده وبين جبهة اسلامية معارضة مدعومة بدورها من دول اقليمية طمحت الى توحيد جهود الثوار وتقف في وجه الفريق الآخر.