يتأهب الجنوب وبلداته وكنائسه وأديرته وأهله للاحتفال بعيد الميلاد المجيد في 25 الجاري، هذه المناسبة الدينية لدى الطوائف المسيحية والوطنية لدى كل الطوائف لانها تتحول إلى محطة تلاقٍ وجمعٍ وتواصلٍ بين الجميع من خلال زيارات تقديم التهاني بالعيد بين المسيحيين والمسلمين وتتحول أيضًا في كلّ عام إلى فرصة لمزيد من التوحد تحت راية الوطن والعلم وفرصة لاعادة اللحمة وتمتين أواصر الوحدة الوطنية اللبنانية الداخلية لتتشابك الأيدي وتنطلق نحو بناء الوطن ورفض البغضاء والتعصب والكراهية وهو ما لم يتعود عليه الجنوبيون في حياتهم خلال العلاقات المشتركة بين أهله الذين هزموا العدو الاسرائيلي بوحدتهم الوطنية وعيشهم المشترك وسلاحهم المقاوم.
اعتادت البلدات الجنوبية على رنين اجراس كنائسها التي تعلوها لتدل على الاعياد السامية من خلال القداديس والعظات التي تؤكد على المحبة والعيش المشترك، ولأنّ الظروف الأمنية صعبة وحرجة، فقد أعدّت خطة أمنية من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي لحماية المصلين في القداديس يوم العيد والليلة التي تسبقه على أن تشمل نشر عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي في محيط الكنائس والاديرة وتوفير الاستقرار والحفاظ على الأمن والقيام بدوريات، وذلك بعد المعلومات التي تحدّثت عن نية جماعاتٍ إرهابية خارجة عن كل الشرائع القيام بعمليات تفجير قرب الكنائس اللبنانية في فترة الأعياد.
الأشجار نُصِبت والزينة رُفِعت
التحضيرات والاستعدادات لهذه المناسبة استكملت في كنائس الجنوب، فنُصبت أشجار الميلاد ورُفِعت الزينة التي تُضاء خلال الليل في حلة متجددة للتذكير بولادة السيد المسيح أملا بتجدد ولادة الوطن ليخرج من أتون الحروب والمشكلات ويعود وطنًا معافى وموئلا للاديان والحضارات ومنبتا للطوائف التي كانت وما زالت نعمة من الله على الارض.
هكذا، وكيفما يتجوّل المواطن من النبطية حتى مرجعيون، يتظلل بأنوار أشجار الميلاد وبقرى تشدّك إليها وهي في شوقٍ إلى بهجة العيد الذي تجتمع فيه العائلة، كبيرها وصغيرها، وبفارغ الصبر ينتظر الصغار "بابا نويل" لتسلم الهدايا وارتداء ثياب العيد.
وهكذا، كانت حال النبطية التي تصدرت انوار الميلاد واشجارها ساحات ثانوية الراهبات الانطونيات ومدرسة الانجيلية الوطنية كدلالة على نور المخلص والفادي.
عيد الميلاد هو عيد السلام والمحبّة
"النشرة" استطلعت التحضيرات الجنوبية لاحياء العيد المجيد، حيث لفت رئيس دير مار انطونيوس في النبطية الاب فرنسيس عساف إلى رفع شجرة الميلاد في مغارة الكنيسة في الدير وإضاءتها "لأنّ هذا العيد هو عيد السلام والمحبة والسيد المسيح هدية الله للشعب ليخلصه، وهو يقرّب الناس من الله"، مشيرًا إلى أنّ "عيد الميلاد عيد العائلة التي تجتمع بالفرح، ولذلك فهو عيدٌ يجمع الأحفاد والأولاد والكبار والصغار الذين يتباركون من نور العالم".
وفي حديثه لـ"النشرة"، أوضح الأب عساف أنّ عيد الميلاد يأتي لينير قلب وعقل الانسان ليعيش برضا الله ونوره لهداية العالم إلى الحقيقة حتى لا يبقى الانسان يعيش في الظلمة والجهل، وقال: "في عيد الميلاد نتمنى على الله أن ينير عقول المسؤولين حتى يجتمعوا كعائلة لبنانية واحدة اسمها عائلة لبنان وتحت لواء المحبة والتفاهم والتناغم والسلام من أجل خير الانسان ليعيش مع أخيه الانسان والسبل التي تؤول إلى خير الانسان الآخر".
وأعلن الأب عساف أنّ قداس العيد سيقام في الدير في الخامس والعشرين من الجاري على أن يليه حفل استقبال المهنئين، وفي اليوم التالي أيضًا في 26 من الجاري سيقام حفل استقبال في صالون الكنيسة، وأضاف: "نحن هنا في هذه المنطقة نمارس شعائرنا الدينية بكل حرية وتشجيع من الجيران الشيعة لأنّنا أبناء منطقةٍ واحدةٍ ووطنٍ واحدٍ وأرض القداسة وهذا ما يدل على العيش المشترك، العيش الواحد الذي نأمل ان يعم كل لبنان وكل القرى والبلدات اللبنانية".
للعودة لجذور عيد الميلاد
بدوره، لفت خوري الكفور الأب يوسف سمعان إلى وضع شجرتي الميلاد في الكنيستين القديمة والجديدة في البلدة مع شجرة طبيعية في الكنيسة الجديدة، مشيرًا إلى أنّ عيد الميلاد هذه السنة يتزامن مع أوضاعٍ صعبة تعيشها المنطقة ولبنان مِمّا يجعل الاحتفال بالعيد صعبًا إلى حدّ ما، لذلك لا بُدّ من العودة إلى جذور هذا العيد الذي يدعو من جهة إلى عيش السلام وهذا ما نفتقد اليه، وملء المحبة وهذا الامر ملحّ جدًا على صعيد عيش السلام.
وقال الاب سمعان: "إذا كنا لا نستطيع فرض السلام بشكل عام، فعلى الأقل علينا أن نفتش عنه داخل أنفسنا عملا بالمثل "ليضيء كل واحد منا شمعة فتتبدد الظلمة"، أما على صعيد عيش المحبة، صحيح ان الوضع الاقتصادي صعب ولكن هذا لا يمنع المبادرات الفردية والرعوية من ان تسد بعض الحاجيات الضرورية وبذلك نحقق معنى العيد ونكون قد بدأنا بتلمس طريق الميلاد".
رسالة المحبة والتواضع والتسامح
من جهته، قال رئيس المدرسة الانجيلية الوطنية في النبطية شادي حجار: "في الخامس والعشرين من كانون الأول من كلّ عام، ينتظر كل الناس البشارة تأتيهم من السيد المسيح بأن العفو قد صدر، وأن من حمل خطاياهم وصليبهم قبل موته سيبقي على كاهله أحمال بنيه من البشر، ويعيد إليهم تفاؤلهم، وها هو في هذا اليوم وفي هذا العام يعيد الكرة رغم كل الغيوم السوداء ويجدد وصيته لهم وبأن انقشاع الغيوم بات قريباً وأن الخير سيكون في متناول أيديهم شرط أن يمتثلوا لمعاني التضحية الكبرى التي قدمها كل أنبياء الله ورسله من أجل سلام البشر ونجاتهم في الدنيا والآخرة". ولفت حجار إلى أنه "في هذا اليوم يوم الميلاد المجيد تتجدد رسالتنا في الحياة رسالة المحبة والتواضع والتسامح والدعوة الى قبول الاخر والعيش الواحد".
أجمل أيقونة نرفعها على صدر لبنان
ولفت مختار حارة المسيحيين في النبطية راشد متى إلى أنّ عيد الميلاد هو عيد الرجاء والمحبة والتلاقي "ونحن تعودنا منذ وجودنا في هذه المدينة ان نحتفل بالميلاد وان نتلقى التهاني من جيراننا الذين نتشارك معهم الافراح والاتراح وهذا هو قدرنا في لبنان ليبقى العيش المشترك اجمل ايقونة نرفعها على صدر لبنان".
وأضاف: "لقد وزعنا اشجار الميلاد قرب الكنيسة وعلى مدخلها كما ان جيراننا تقدموا بشجرة طبيعية ميلادية كدليل على أهمية الجوار والتفاهم والمشاركة معًا في الأعياد التي تدل على أنّنا أبناء الله على الأرض وعلينا أن نعمل بالتعاليم الدينية السمحاء وهذه هي ميزة الجنوب وأهله وميزة بقاء لبنان وطن الاديان وتفاعل الحضارات ووطن الارادات الخيرة التي تتلاقى لخدمة الوطن".
أملٌ بميلادٍ جديدٍ للوطن
بدوره، قال رئيس جمعية تجار محافظة النبطية وسيم بدر الدين في الميلاد: "يتجدد العيد ويلتقي الجميع على الامل بميلاد جديد للوطن يحلمون فيه بالعودة الى الجذور التي تؤكد على أنّ لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه مسلمين ومسيحيين وهو وطن المحبة والاخاء والعيش المشترك".
وشدد بدرالدين على أواصر الوحدة الوطنية الجامعة في منطقة النبطية التي تتجلى في الميلاد والفطر لاننا اهل واخوة تقاسمنا الحلو والمر معا في اصعب الظروف واحلكها، موجها التهاني للبنانيين عموما والجنوبيين خصوصا وعلى الاخص المسيحيين من ابناء النبطية والمنطقة بعيدي الميلاد ورأس السنة، متمنيا ان يعم الهدوء والاستقرار كافة المناطق اللبنانية.
تقاليدٌ وأعرافٌ متوارثة بين الأجيال
أما المؤرخ الجنوبي الاديب محمد حسين معلم، فقال: "نتذكر أننا ورثنا عن الاباء والاجداد ان يتبادل المسلمون والمسيحيون في عيدي الميلاد والفطر الزيارات لتقديم واجب التهاني وهي عادات ما زالت موجودة ومحفوظة في الذاكرة"، وأشار إلى انه "في كل مناسبة او عيد كنا نرى الاب والخوري والراهبات يشكلون وفدا مشتركا لزيارة المناطق الاسلامية المجاورة للمشاركة الى جانب اهلها في تقديم التهاني لهم بالاعياد الاسلامية او الوقوف الى جانبهم في الاحزان، كذلك في اعياد الميلاد والفصح والشعانين يشكل الشيخ والسيد المعمم وفودا من فاعليات البلدات المجاورة للدير أو الكنيسة في النبطية أو الكفور أو بفروة أو غيرها وصولا إلى مرجعيون للقيام بواجب تقديم التهاني بالاعياد للمسيحيين أو حتى تقديم التعازي بوفاة أحد أبناء الرعية، وهو ما يسمى برد الجميل في اي مناسبة وهذه عادة اصيلة لابناء الجنوب تصدح بها ذاكرتهم منذ الازل كدليل على معاني العيش المشترك وهي ثقافة تعودوا عليها واقتبسوها عن الامام السيد موسى الصدر الذي زار الكنائيس في المناسبات واعتصم في الجوامع ورفض اطلاق النار على دير الاحمر المسيحية وقال ان من يطلق النار على دير الاحمر كمن يطلقها عليّ وعلى ابنتي ومنبرتي وجبتي وعمامتي"، وأضاف: "إننا سنحفظ هذه التقاليد والاعراف ونورثها للأجيال الصاعدة لأنّ لبنان لا يقوم إلا بجناحَيه المسلم والمسيحي".