مجدّدًا، بدا الجيش اللبناني في دائرة الاستهداف، في مشهدٍ بدا منسَّقًا ومنظَّمًا ومدروسًا..
هو ليس بأمرٍ غريبٍ على المؤسسة العسكرية، مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، الضمانة الوحيدة الباقية لهذا الوطن ولأمنه ولاستقراره، فلكلّ هذه الأسباب مجتمعةً، يصبح استهدافُ الجيش اللبناني أمرًا عاديًا من قبل كلّ أعداء هذا الوطن، مهما تنوّعت وتعدّدت ميولهم وانتماءاتهم، ولهذه الأسباب، يتقاطع "الانتحاريون الجُدُد" مع "خارقي الحدود" على هدفٍ واحد ألا وهو ضرب هذا الجيش وإلحاق الأذى به..
وإذا كانت الجبهة الحدودية جنوبًا هي البوصلة الصحيحة، وفيها أثبت الجيش اللبناني مجدّدًا عن إصراره على حفظ الحدود وسيادة البلاد، فإنّ ما حصل في صيدا أكثر من خطير، ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول تمدّد "الانتحاريين" أكثر وأكثر في قلب الوطن..
استهداف منظّم للجيش..
هو استهدافٌ منسَّق ومدبَّر ومنظَّمٌ للجيش اللبناني انطلق من قلب عاصمة الجنوب صيدا ليل الأحد، خارقًا هدوء عطلة نهاية الأسبوع الذي كاد ينعكس على كلّ شيء من دون استثناء..
ففجأة، ومن دون سابق إنذار، أتت الأخبار العاجلة عن اعتداءٍ على حاجز الجيش الثابت في نقطة الأولي تمثل بإلقاء قنبلة، قبل أن تتكشّف المعطيات عن اعتداءٍ ثانٍ على حاجز الجيش في مجدليون، دخل على خطه "الانتحاريون الجُدُد"، في سابقة خطيرة يُخشى من تداعياتها السلبية على الوضع العام.
هكذا، قفز الوضع الأمني في الجنوب إلى الواجهة عند التاسعة والربع ليلاً بعد أن أقدم رجل مسلح على تجاوز حاجز الأولي التابع للجيش ورمي قنبلة يدوية باتجاهه، ما أسفر عن إصابة عسكريين اثنين بجروج، فردّ عناصر الحاجز بالنار على الشخص المذكور ما أدّى إلى مقتله.
لكنّ القصة لم تنته فصولاً هنا، إذ بعد أقل من ثلاثة أرباع الساعة على هذا الحادث، وقع حادثٌ آخر هو الأخطر، إذ لدى وصول سيارة رباعية الدفع تقل ثلاثة مسلحين إلى حاجز الجيش في محلة مجدليون، ترجّل أحدهم وأقدم على تفجير نفسه بواسطة رمانة يدوية، ما أسفر عن مقتله واستشهاد أحد العسكريين وجرح آخر، وقد قام عناصر الحاجز بإطلاق النار على المسلحين الآخرين وقتلهما، وقد حضر خبير عسكري للكشف على السيارة والتأكد من خلوها من أيّ جسم مشبوه، وباشرت الشرطة العسكرية التحقيق بإشراف القضاء المختص.
الجيش يتصدّى للخروقات
ومن أحداث صيدا الخطيرة إلى الحدود الجنوبية في تطوّراتٍ نوعية تزامنت، للمفارقة، مع الاعتداءات على الجيش اللبناني في صيدا، حيث أفيد أنّ جنديًا لبنانيًا أطلق النار في نقطة متقدّمة على قوة إسرائيلية كانت تجتاز الحدود، ما أدّى إلى مقتل جندي إسرائيلي باعتراف الجيش الاسرائيلي، فيما فقد الاتصال بالجندي اللبناني، قبل أن يظهر صباحًا ليتبيّن أنّه كان مختبئًا خلف إحدى الشجرات في المنطقة.
وفيما سُجّل استنفارٌ عسكريٌ متبادَل وأطلق الجيش الاسرائيلي قنابل مضيئة في سماء المنطقة التي شهدت أيضًا تحليقًا للمروحيات الإسرائيلية، سارع الناطق باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي لوصف الحادث بـ"الخطير"، نافيًا وجود أيّ خرقٍ للحدود من الجانب الإسرائيلي، زاعمًا أنّ "إطلاق النار من جهة لبنان استهدف سيارة مدنية مرت على الحدود"، واشار الى ان "الجيش الاسرائيلي يواصل التحقيق في ملابسات الحادث الخطير"، مشدداً على أن "الجيش الاسرائيلي مستعد لاتخاذ أي عملية ولن يحتمل اي محاولة لإستهداف مواطني اسرائيل، وهو يحتفظ لنفسه حق الرد في المكان والوقت المناسبين".
في المقابل، أعلن المتحدث باسم قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" أندريا تننتي أنّ قائد "اليونيفيل" الجنرال باولو سييرا أجرى اتصالات مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي، طالبا ضبط النفس، وأشار الى أن الحادث "وقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق"، في وقت اطلع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على ملابسات الحادث، في اتصال مع قيادة الجيش اللبناني. كما أجرى اتصالاً بممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، ودعا إلى استكمال التحقيقات لمعرفة ملابسات ما جرى.
كلمة أخيرة..
تزامنًا مع عبارات الاستنكار للتعرّض للجيش اللبناني والتضامن معه التي ستتردّد خلال الساعات المقبلة على ألسنة جميع السياسيين أيًا كانت انتماءاتهم، تبدأ عملية التوظيف والاستثمار لما حصل من الناحية السياسية، فيقرأ فريقٌ في ما حصل تأكيدًا لخياره السياسي وخطورة المشروع التكفيري المقابل، فيما يعود الفريق الثاني لنغمة تحميل الأول مسؤولية ما يحصل باعتباره من تداعيات أعماله..
إنه للأسف لبنان، البلد المسيّس، الذي بات التضامن مع عنصر قوته المتمثل في الجيش اللبناني هو الآخر تضامنًا كلاميًا وإنشائيًا يحتاج إلى الكثير ليثبت صدق نواياه..