تأخذ شجرة "عيد الميلاد" مكانها في صدر المنزل كل عام قبل عيد ميلاد المسيح بعدة أيام، إذ إنّ هذه الشجرة هي من أكثر التقاليد المرتبطة به انتشارًا في العالم رغم عدم ارتباطها بنص من الإنجيل. فقصص كثيرة تحاول تفسير انتشار هذا التقليد، إذ إن البعض يربطه بقيام المسيحيين بتحويل الأعياد الوثنية إلى أعياد مسيحية، وبالتالي، فإن الشجرة كانت تقليداً رومانياً للإحتفال بعيد الشمس فاستخدمه المسيحيون عندما اختاروا تاريخ عيد الشمس ذاته كذكرى لميلاد المسيح، "نور العالم" كما كتب عنه في الإنجيل. أما روايات أخرى فتربط هذا التقليد بأوروبا، وتحديداً ألمانيا، التي كانت غنية بغاباتها الصنوبرية الدائمة الخضرة، حيث كانت العادة لدى بعض القبائل الوثنية التي تعبد الإله "ثور"، إله الغابات والرعد، أن تزين الأشجار ثم تقوم احدى القبائل المشاركة بالاحتفال بتقديم ضحية بشرية من ابنائها. وفي عام 727 أوفد إليهم البابا بونيفاسيوس مبشرا، فشاهدهم وهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا نجل أحد الأمراء وهموا بذبحه كضحية لإلههم فهاجمهم وانقذه من أيديهم ووقف فيهم خطيباً مبيناً لهم أن الإله الحي هو إله السلام والرفق والمحبة الذي جاء ليخلص لا ليهلك، ثم قام بقطع تلك الشجرة و نقلها إلى أحد المنازل ومن ثم قام بتزيينها، لتصبح فيما بعد عادة ورمزاً لاحتفالهم بعيد الميلاد. وسرعان ما انتقلت هذه العادة بعد ذلك من ألمانيا إلى فرنسا وإنكلترا ثم اميركا، وأخيرا لبقية المناطق في العالم، حيث تفنن الناس في استخدام الزينة بأشكالها المتعددة والمعروفة.
في لبنان، تتزين كل الشوارع في مختلف المناطق بالزينة الميلادية مع بداية شهر كانون الأول، وتزيّن الشجرة أيضاً المنازل. إلا أن هذه الزينة ليست حكرا على طائفة او مذهب أو دين معين، بل تجمع الكثير من اللبنانيين، رغم محاولة البعض تصوير الامر كذلك وتكفير من يهتم بهذه المناسبة من غير المسيحيين. فالعديد من المسلمين في لبنان يضعون ايضاً شجرة الميلاد داخل منازلهم ويحتفلون على طريقتهم بالميلاد.
الهام طباع تعودت كل عام مذ كان ابنها صغيرا على ان تضع شجرة عيد الميلاد في منزلها لكونها مصدر تفاؤل بالنسبة لها وسعادة بالنسبة لعائلتها... فكبر ابنها واصبح شابا ولا زال ينتظر منها وضع الشجرة وتزيينها سنة تلو الاخرى ويذكرها إذا نسيت.
هكذا بدأت الهام التي تسكن في منطقة مار الياس حديثها لـ"النشرة" مشددة على ان عيد الميلاد يخص المسلمين كما المسيحيين وان الاحتفال بهذا العيد يبعث البهجة في قلوب الصغار والكبار. واضافت: "تعاليم الاسلام والقرآن الكريم لا يقولون بحرمة وضع شجرة الميلاد في المنزل او الاحتفال بعيد السيد المسيح بل بالعكس فان الله خصّ السيدة مريم بسورة لها في القرآن، وبالتالي لا ابالي بأي فتاوى تصدر عكس ذلك".
ففي العام الماضي صدرت فتوى من "داعية اسلامي" لبناني حرم فيها على المسلمين الاحتفال بعيد الميلاد او وضع شجرة وتزيينها، معتبرا ان "من يحتفل بأعياد غير المسلمين يكون اما يؤمن بهذه الاعياد وهذا كفر، او يسايرهم وهذا كذب". هذا الكلام بحسب السيد جعفر فضل الله لا اساس له في الدين الاسلامي، فالمسلمون يعتبرون شخصية السيد المسيح من الشخصيات الرسولية التي يعظمونها وورد هذا التعظيم ايضا في القرآن الكريم الذي ركز على الكثير من عناصر القيم التي يختزنها السيد المسيح. ورأى السيد فضل الله، في حديث لـ"النشرة"، أنّ أصل الاحتفال بذكرى الميلاد سواء من ناحية الشكل ام المضمون ليست مشكلة عندما ينطلق الانسان من قيم السيد المسيح التي اكد عليها النبي محمد، لافتا الى ان وضع شجرة الميلاد في المنزل ليست هي المشكلة بل في بعض الممارسات التي ترافق هذه الاحتفالات المسيحية والاسلامية والتي لا تنسجم مع القيم الاسلامية كالغناء. ودعا فضل الله في هذا الإطار المسلمين والمسيحيين إلى التأكيد على قيم السيد المسيح في الذكرى وان يجسدوا هذه القيم في تربية اولادهم.
وفي نفس السياق رأت السيدة ناديا الحركة وهي سيدة مسلمة تسكن في شتورا ان التعايش الاسلامي المسيحي اقوى من فتاوى تكفيرية تصدر من هنا وهناك، لافتة في حديث لـ"النشرة" الى انها تزين منزلها بشجرة الميلاد وتحتفل بهذا العيد لان المسيح يجمع البشر على المحبة والألفة، مشددة على ان وضعها لشجرة الميلاد لا يعني تخليها عن دينها والتزامها به.
لماذا اصرار البعض على تفريقنا؟ لماذا يريدون تحويل مناسباتنا الجامعة الى فرصة للفرقة؟ فإن عيد الميلاد سيبقى علامة على عدم تحقيق من يريدون تفرقة اللبنانيين هدفهم بنشر الإرهاب والتكفير، وسيبقى مناسبة جامعة لكل البشر، حاضنة لجميع الطوائف، عنوانها المحبة والتسامح والتعايش.
تصوير حسين بيضون