هو الوضع الأمني ما زال يتصدّر المشهد اللبناني القاتم، في ظلّ الجمود المستفحل والفراغ الذي يكاد يطيح بالأخضر واليابس في آنٍ واحد..
هكذا، وفي مشهدٍ خطير ينبئ بتداعياتٍ كارثية، باتت السيارات المفخّخة تمرّ مرور الكرام، وكأنها "رفع عتب"، بل إنّ "الإنتحاريين" يكادون يصبحون من "البديهيات"، ولا أحد يتحمّل مسؤولية "البيئة الحاضنة" التي سمحت لفِكرهم بالتمدّد في داخل المجتمع اللبناني الذي لطالما كان يتغنّى بقيامه على التنوّع بوصفه "نعمة" لا "نقمة"..
وإذا كانت قائمة "الاستهدافات" طويلة ويقع الجيش اللبناني في مقدّمتها، وهو الضمانة الوحيدة المتبقية للبنانيين لحفظ الأمن والاستقرار، فإنّ الطبقة السياسية، التي تسارع كلّما وقع حادثٌ ما للاستنكار والتضامن، تتحمّل جزءًا أساسيًا من المسؤولية، وهي التي لم يحفّزها الوضع الأمني المنهار حتى الساعات للتخلّي عن شروطها وشروطها المضادة لكسر "الفراغ" الذي أصبح يتحكّم بكلّ شيءٍ في البلد..
انفجارٌ يستهدف "حزب الله"؟
فيما نام اللبنانيون على خبر معالجة ذيول حادثي صيدا "الخطيرَين" وحادث الناقورة الحدودي الذي وُصّف بـ"السلوك الفردي"، استيقظوا على تطورٍ أمني آخر يوحي بأنّ البلاد دخلت عمليًا في المجهول الذي لطالما كان يحذّر المعنيون منه وينبّهون من تداعياته على مختلف الأصعدة.
الخبر أتى من البقاع هذه المرّة، حيث أفاد مراسل "النشرة" عن إنفجار سيارة مفخخة حوالي الساعة الثالثة فجرًا، وتحديدًا في خراج منطقة صبوبا في بلدة اللبوة قضاء بعلبك، أعقبها إطلاق نار. وذكرت المعلومات أنّ السيارة التي انفجرت هي من نوع "بي ام" كان يقودها انتحاري واستهدفت "فان" تابع لحزب الله على طريق ترابية، علمًا أنّ بعض المعلومات أشارت إلى أنّ السيارة انفجرت بعد رصدها من قبل مجموعة تابعة لحزب الله، عند ملاحقتها وتعقّبها إثر تجوُّلها بشكل مريب في وقت متأخّر من الليل في منطقة بعلبك.
وفي حين أكدت مصادر لـ"النشرة" عدم وقوع قتلى بانفجار اللبوة في بعلبك بل جرحى أحدهم بحالة خطرة، كُلّفت الشرطة العسكرية بالكشف على مكان التفجير في اللبوة في بعلبك واجراء التحقيقات، وذلك بناءً على إشارة النيابة العامة.
حادثا صيدا والناقورة.. تابع
إلى ذلك، انهمكت الأوساط السياسية والعسكرية خلال الساعات الماضية بمعالجة ذيول الحادثين الخطيرَين في صيدا، واللذين أعادا تسليط الضوء على الاستهداف الممنهج والمنظّم للجيش اللبناني، والذي دخل الانتحاريون على خطه من عاصمة الجنوب صيدا.
وفي هذا السياق، أعلنت قيادة الجيش عن تفاصيل العملَين الانتحاريين اللذين تعرّض لهما حاجزا الجيش الثابت عند جسر الأولي والظرفي في محلة مجدليون، وأشارت إلى أنه بنتيجة تفتيش عناصر الجيش سيارة الإنتحاري الثاني، تمّ العثور على حزام ناسف معد للتفجير مؤلف من 6 قطع متفجرات، محاطة بمجموعة من الكرات الحديدية، وموصولة بفتيل صاعق وصاعق رمانة يدوية، إضافة إلى ثلاث رمانات يدوية دفاعية، وكذلك 17 صاعقاً كهربائياً، و6 صواعق رمانات يدوية، ومفجرة صاعق كهربائي"، لافتة إلى أن "الشرطة العسكرية تولت التحقيق في الاعتداءين بإشراف القضاء المختص".
وفي وقتٍ تتالت بيانات الاستنكار والتضامن على جري العادة من قبل السياسيين على تنوّع انتماءاتهم وميولهم، لفتت الزيارة التي قام بها زار رئيس الاركان اللواء الركن وليد سلمان إلى قيادة منطقة الجنوب العسكرية والوحدات المنتشرة في مدينة صيدا، حيث تفقد حاجز الجيش في منطقة الأولي الذي تعرض للاعتداء الإرهابي، ثم اجتمع بالضباط والعسكريين، وأثنى على "جهود العسكريين وتضحياتهم وردة فعلهم السريعة والحازمة في مواجهة الاعتداءين الارهابيين"، مؤكدا ان "هذا الاسلوب من الاجرام لن ينال من عزم الجيش على مواصلة مهماته الوطنية"، مشددا على "العمل بكل قوة لاستئصال الارهاب من جذوره، كائنة ما كانت الاثمان والتضحيات".
وعلى صعيد حادث الناقورة الحدودي، لفت بيانٌ توضيحيٌ من قيادة الجيش حرصت فيه على وصف ما جرى بأنه "ناجم عن سلوك فردي قام به أحد الجنود"، مشيرة إلى أنّ لجنة عسكرية تولت التحقيق بالموضوع، مشدّدة على أنّ "التنسيق جار مع قوات الامم المتحدة المؤقتة في لبنان لمعالجة تداعيات الحادث"، كما جدّدت تأكيد "التزام الجيش مندرجات قرار مجلس الامن رقم 1701 بصورة كاملة، لا سيما الحفاظ على استقرار المناطق الحدودية بالتعاون والتنسيق مع القوات الدولية".
العريضي يستقيل.. من حكومة مستقيلة!
سياسيًا، كان الوزير غازي العريضي "نجم الشاشة" دون منازِع خلال الساعات الماضية، خصوصًا مع مؤتمر "الاعتكاف" المطوّل بعد إفادة مطوّلة استمرّت لنحو ساعة ونصف الساعة أدلى بها أمام النائب العام المالي على ابراهيم، علمًا أنّه في ضوء افادة وزير المال في حكومة تصريف الاعمال محمد الصفدي التي لم يحدد موعدها بعد، يقرر القاضي ابراهيم ما اذا كان لافادة الوزير العريضي استكمال ام لا.
المهمّ أنّ العريضي سار على طريقة "قال كلامه ومشى"، طارحًا خلفه عشرات علامات الاستفهام حول "أمورٍ خفية" وربّما "صفقات"، مانحًا نفسه "إجازة سياسية"، على أن يُقال بعدها ما يجب أن يُقال، كما قال، مشدّدًا على أنّ لا مشكلة شخصية مع وزير المالية مهما استحضر من قضايا، متحدّثًا عن "تعرّضه لكمّ هائل من الضغوط المختلفة الأشكال"، على حدّ تعبيره.
وإذا كانت استقالة الوزير العريضي من حكومة مستقيلة هو بحدّ ذاته سابقة شكّلت مادة للنقد على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ اللافت أكثر كان أنّ الاستقالة أقدم عليها الوزير "على كيفه"، وهو ما قرأه المراقبون في التعليق الأول لرئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط الذي أكّد المؤكّد لجهة "تضعضع العلاقة" بين الرجلَين، خصوصًا أنّ "البيك" نفى علمه المسبق بالاستقالة، وقال إنّ "العريضي ينتمي لحزب ولا يمكنه التصرف على كيفه".
كلمة أخيرة..
عادت موضة الاستنكارات لتسود الساحة السياسية، استنكاراتٌ لا تخدم سوى الاستنكار، وهي بالمحصّلة لا تقدّم ولا تؤخّر..
بالأمس، الكلّ استنكر الاعتداء على الجيش اللبناني، الكلّ استنكر وحتى أولئك الذين يوفّرون، من حيث يدرون أو لا يدرون، "البيئة الحاضنة" للفكر المتطرّف المعادي للجيش. واليوم، الكلّ سيستنكر انفجار البقاع، الكلّ سيستنكرون وحتى أولئك الذي يوفّرون "البيئة الحاضنة" لمثل هذه الأفعال.
الكلّ استنكر ويستنكر وسيستنكر، لكنّ أحدًا لن يفكّر بـ"الثورة" على "الفراغ"، أحدًا لن يفكّر بحلّ المشكلة من "جذورها"، لأنّ المهمّ بالنسبة للجميع لا يتعدّى "المصلحة السياسية الآنية"!