حسناً فعل كلٌّ من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالإعلان عن زيارة كلٍّ منهما إلى الصرح البطريركي في بكركي ولقاء الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ففي هذه الخطوة التي تتسم بالشفافية تكون قد بدأت تتحقق أمور عدة:
- الأمر الأول: ان إنتخابات رئاسة الجمهورية لم تعد من المسائل السرية، بل أصبحت من الملفات العلنية التي لا يُفتَرض أن يتعامل معها المرشحون، على طريقة أنا غير مرشَّح، إلا إذا ارتضى الآخرون ترشيحي، فلا أحد سيُرشِّح أحداً، وكلُّ مرشحٍ سيُرشِّح نفسه، ولا يكفي ذلك، بل عليه أن يُقدِّم برنامجه.
- الأمر الثاني: جيِّد أن يتعاطى المرشحون الجديُّون مع سيِّد بكركي على أن عنده كرسي إعتراف، حيث يُودِعون لديه ما لا يستطيعون قوله في الخارج، ومَن غيره قادرٌ على إستيعاب هذا الكم الهائل من الأفكار والهواجس التي سيُدلي بها المرشحون؟
- الأمر الثالث: أن نمط العلنية بات هو القاعدة وليس الإستثناء، فقبل العماد عون والحاكم رياض سلامة، إستقبل سيِّد بكركي مرشحين آخرين، بينهم الرئيس السابق أمين الجميل والنائب والوزير السابق جان عبيد مرّات عدّة والنائب سليمان فرنجيه وقائد الجيش العماد جان قهوجي والدكتور سمير جعجع، ويمكن القول ان معظم المرشحين باتوا يُسلِّمون بأن خارطة طريق بعبدا يرسمها الكاردينال الراعي بقلمه، وبأن مكاشفته هي الممرّ الإلزامي للسير في طريق الرئاسة، ومن دون هذا الممر لا إمكانية حتى لمجرد التفكير فيها، خاصة انها وطنية ومارونية الاختيار.
المتابعون لملف رئاسة الجمهورية، والعارفون بشخصية البطريرك الكاردينال الراعي يعرفون أنه ينطلق في التعاطي مع الإستحقاق من البديهيات التالية:
- وجوب إلتزام الدستور في كل خطوة يُفتَرض الإقدام عليها، فإذا لم يكن الدستور هو المرجع فعندها تفلت الأمور.
- وإعلان كلّ مرشح برنامجه وهو شرط أساسي ومسبق للقبول به، وهنا يجدر التفريق بين البرنامج المتكامل ما قبل الإنتخابات وخُطَاب القَسَم ما بعد الإنتخابات.
فالبرنامج المسبق ينطلق من العقل والرؤية، والخطاب اللاحق لا يحتاج سوى إلى الترداد، فهذه الطريقة هي وحدَها الطريقة العلمية التي يعتمدها المرشحون في الدول المتقدِّمة، ومن دونها فإننا نكون لا نعرف من الديمقراطية سوى القشور الخارجية.
وما يشدد عليه البطريرك الكاردينال الراعي، لا يقتصر على السنوات الست المقبلة، بل على عقود إلى الأمام. للتذكير فقط، فإن الكاردينال الراعي تحدَّث في عظة الأحد الأخيرة عن مئوية إعلان دولة لبنان الكبير التي يُصادِف حلولها في نهاية العهد المقبل، أي في العام 2020، وحين يكون الكلام بهذه التواريخ فهذا يعني أن هناك نظرة ثاقبة إلى المستقبل البعيد، وليس فقط إلى يوم غد أو إلى الأسبوع المقبل أو الشهر المقبل أو حتى السنة المقبلة.
بهذه الروحية المتَّقدة البصيرة ستتم حكماً غربلة المرشحين. فمنهم من يواصل مشواره في السباق إلى الكرسي ومنهم من يجد نفسه غير مناسب.
ووفق هذه الروحية ستَثْبُت جدارة المرشح، التي ستُقيَّم على أساس برنامجه اللبناني الوطني والواقعي وغير المعلَّب.
وكما ذكرنا تكراراً في هذه الزاوية، فإن الإنتخابات الرئاسية هذه المرة هي غير كل المرات، ورعايتها ستكون أيضاً غير سائر المرات.