لم يوضّب الكاردينال بشارة الراعي حقائبه لمغادرة الصرح البطريركي. لا هو ولاالكرسي الرسولي في روما في هذا الوارد. المجمع الشرقي في الفاتيكان لا ينتظره. الراغبون في إقصاء الراعي كثر، إلا أن 14 آذار تنفي أن تكون هي مصدر الشائعات.
مرّت أسابيع على نشر جريدة «الشرق» معلومات تفيد بأنه «خلال أسابيع على الأكثر (وربما خلال أيام) سيستقيل صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من مسؤولياته في البطريركية المارونية، ليرتقي إلى موقع كنسي رفيع جداً». وخلصت الصحيفة الى هذا الاستنتاج بناءً على عدد من «المعطيات» منها: منح الراعي رتبة كاردينال «بسرعة لافتة»، وتكليف الراعي متابعة قضية مسيحيي المشرق.
رفضت بكركي التي كان يدير شؤونها المطران بولس صياح، بسبب وجود «سيدنا» في حينه في روما، التعليق على الموضوع، «لئلا يأخذ الأمر صدى أكبر من حجمه». لكن النفي أتى على لسان صاحب العلاقة. من مطار بيروت، اعتبر الراعي ما نُشر «كذباً وتلفيقاً». لكن الصحيفة القريبة من تيار المستقبل لم تخترع خبرها. فما أوردته ليس سوى جزء مما دار في الصالونات السياسية خلال الأيام التي سبقت النشر، وخصوصاً الصالونات التي ترتادها «شخصيات 14 آذار». وكانت المعلومات تتحدّث عن إعفاء الفاتيكان رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال لياندرو ساندري، من منصبه. وساندري، بحسب ما يُقال في بيروت، هو راعي وصول الراعي إلى سدة البطريركية المارونية. مباشرة، اشتغل العقل المؤامراتي اللبناني: «رحل ساندري، وسيلحق به الراعي. سيتم إبعاده بترفيعه إلى منصب أعلى».
التناتش على ثوب الراعي بدأ منذ انتخابه بطريركاً. لم يكن في بال فريق الرابع عشر من آذار أن تعود بكركي لتفتح أبوابها من جديد أمام جميع اللبنانيين. لم تظن يوماً أن خلَف الكاردينال نصر الله صفير سيحرمها إطلاق المواقف السياسية من هذا المنبر الديني. توجست من خطوات الراعي، إلا أن أحداً لم يظن أن الفريق الذي ما انفك يدين التيار الوطني الحر وتيار المردة على «تطاولهما» على صفير سيُبادر هو الى تقديم دعوى ضد البطريرك الماروني. ففي آذار العام الماضي، فتحت الشخصيات المسيحية في 14 آذار نيرانها على الراعي على خلفية مواقفه من الأزمة السورية، فحضّرت له «ملفاً دسماً»، وأرسلته إلى الفاتيكان. هكذا تقول أوساطها. هذه المحطات جعلت الأنظار تتجه صوب مقر الأمانة العامة في الأشرفية، متهمة إياها بتلفيق هذه المعلومات «بالنيابة عن معراب».
يترك الأمين العام لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد التصاريح التي يحضرها للهجوم على «تجاوزات حزب الله» في بلاد جبيل من يده، يستلذ بحبة سكاكر «خالية من السكر»، يفكر قليلاً قبل أن تخرج من بين شفتيه كلمات مصحوبة بابتسامة ماكرة: «بكركي بين كرجة وكرجة، لا زيتها ولا نورها شحّ. كلن عم يحكوا تركي، وحدا بكركي بتحكي الصح». لا يوافق سعيد، على «طريقة إدارة الشأن السياسي للبطريركية المارونية، وكل ما يُزعم عن إصلاح داخل الكنيسة». لكن ذلك لا يعني أن العلاقة ليست جيدة مع الراعي، «فهي تعود الى أيام كان مطراناً في جبيل». إضافة الى أنه مهما تأزمت العلاقة، «لن تطلق 14 آذار مثل هذه الشائعات. الاتهامات بحقنا باطلة». لا يعرف سعيد مصدر هذه الأخبار، «ولا نتدخل لنعرف. فالأعوان (الرعية) لا دخل لهم بالشؤون الداخلية للكنيسة». يستبعد أن يكون هناك تنافس بين «الآباء اليسوعيين» الذين ينتمي إليهم البابا فرنسيس والموارنة، «فهناك رغبة إصلاحية لدى رأس الكنيسة، من الأكيد أن الراعي يتكيف معها». لا يستفيد أحد من هذه الشائعات: «عندما تسقط هيبة الكنيسة، تسقط معها هيبة الطائفة». صحيح أن سعيد نأى بنفسه عن الشؤون الكنسية الخاصة «إلا أننا لا نريد أن تتكرر مأساة قانون الانتخابات مع الانتخابات الرئاسية. تخطئ بكركي إذا أرادت أن تكون لاعباً في الرئاسة، ممنوع أن يأتي موعد الاستحقاق وتفشل في تنفيذ الأمور. بكركي مرجع ولا تُراجع. بكركي تُزار ولا تزور».
زار وفد من تيار المستقبل بكركي في الأسبوع ذاته الذي انتشر فيه الخبر، ما يدفع أحد المقربين من بكركي المعارضين لقوى الرابع عشر من آذار الى استبعاد تورط هذا الفريق في «اختلاق الخبر»، وخصوصاً أن «العلاقة بين ثوار الأرز والراعي جيدة». القصة، من وجهة نظره، ليست جديدة، بل تعود الى انتخاب البطريرك «عندما سرت أخبار عن نية الفاتيكان بإقالته، أتاهم الجواب بتعيينه كاردينالاً». المتضررون بحسب المصدر كثر: «هناك أكثر من طرف داخل بكركي وخارجها لهم مصلحة بإبعاد سيدنا عن كرسيه، لا يريدون أن يكون هناك شخص جامع». يحسم المصدر أن «لا خلافات بين اليسوعية وبكركي»، رغم أنه بدأت «تنتشر خبرية عن نية اليسوعيين إيصال رئيس جامعتهم سليم الدكاش بطريركاً، على اعتبار أن البابا يسوعي».
لا تبدو بكركي متأثرة بهذه الأخبار. لا يتهم ساكنو الصرح أي طرف سياسي بـ«بث الأكاذيب». المهم أن الراعي لن يستقيل ولن يتسلم أي مهمات خارجية، «القصة مركّبة من أولها إلى آخرها».