في ختام التقرير السنوي للعام 2012، عام "الاضطرابات" بلا منازع، قالتها "النشرة" صراحةً: ما ينتظر العالم خلال العام الجديد لن يكون ببسيط، بل إنّ الفاتورة ستكون "أغلى" مما يتوقعه البعض.. وبالفعل، أتت الفاتورة "أغلى" ليس فقط ممّا يتوقعه البعض، بل ممّا يتوقعه "عاقل"، فـ"المستحيلات" التي تحوّلت إلى "واقع" في العام 2013 لم يتوقّعها أحد، بل إنّ المراقبين يكادون يجزمون أنه لو توقعها أحد "العرّافين" الذين يكثّفون إطلالاتهم هذه الأيام موهمين الناس بقدرتهم على "قراءة الغيب"، لكان اتُّهِم بـ"الجنون".
فمن كان يتصوّر أنّ طبول الحرب والسلم ستُقرَع في سنةٍ واحدةٍ؟ ومن كان يقول أنّ "الشيطان الأكبر" و"محور الشر" سيجلسان إلى طاولة واحدة، فيما كان كلّ "العلماء" يخمّنون تاريخ بدء "الحرب" بينهما؟ ومن كان يتوقع أنّ ما سُمّي بـ"ربيع" مصر لن يدوم لأكثر من عامٍ واحد؟ وأبعد من كلّ ذلك، من كان يتوقع "النجومية المفرطة" التي يحظى بها "التكفيريون" اليوم في المنطقة ككُلّ؟
كلّها أمورٌ حصلت خلال أقل من 365 يومًا وتسعى "النشرة"، على جري عادتها كلّ عام، إلى "أرشفتها" من خلال هذا "التقرير السنوي"، معطوفًا على "الملحق" الذي يتضمّنأهم الأحداث العربية والعالمية للعام 2013وفق معادلة "كل يوم بيومه"، على أمل أن تزوّد القراء من خلاله بـ"العِبَر الواجبة" للولوج إلى "المستقبل" الذي يتوخّونه..
"محور الشر" و"الشيطان الأكبر" جنبا إلى جنب!
هو "حدث العام" دون منازع، اتفاقٌ تاريخي غير مسبوق بين إيران والدول الغربية، في عامٍ كان ينتظر فيه كثيرون "ساعة الصفر" للحرب بين "الشيطان الأكبر"، الولايات المتحدة الأميركية وفق التوصيف الإيراني، و"محور الشر" وفي صدارته إيران وفق التوصيف الغربي، حتى أنّ البعض كان قد ذهب لحدّ تحديد مواعيد لبدء "المعارك" على هذه "الجبهة".
لكنّ شيئًا ما أقرب لـ"المعجزة" حصل فانقلبت كلّ المعادلات والموازين. يقول البعض أنّ هذا "الشيء" لم يكن سوى انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيسًا للجمهورية الإسلامية في إيران خلفًا لأحمدي نجاد في الخامس عشر من حزيران، في نتيجةٍ "ديمقراطية" قرأ فيها بعض الغرب "انتصارًا للاعتدال على التطرّف". ومن وحي هذه القراءة، كان "التهليل" بهذا "التغيير النوعي" داخل إيران، تهليلٌ توسّع سريعًا إلى تبادُل ابتسامات فرسائل، لم يؤثر عليها تمسّك الرئيس الإيراني بمواقف بلاده التاريخية.
في التاسع عشر من أيلول، كانت "قمّة" هذه الرسائل بإعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما بصريح العبارة أنّه على استعداد للحوار مع إيران، استعدادٌ ما لبث أن تُرجِم عمليًا، فكانت لقاءاتٌ أميركية إيرانية على أعلى المستويات من بوابة الأمم المتحدة، استُكمِلت باتصالٍ "تاريخي" أجراه أوباما بروحاني، قبل أن تُتوَّج في الرابع والعشرين من تشرين الثاني من خلال الإعلان عن اتفاق تاريخي بين ايران والدول الست حول برنامج الأولى النووي.
المتضرّرون من الاتفاق ليسوا بقلّة، وبدوا أعجز من إخفاء امتعاضهم. أوّل هؤلاء إسرائيل، التي سارع رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو لوصف الاتفاق بـ"الخطيئة"، قبل أن "ترضخ" للأمر الواقع ويعرب رئيسها شيمون بيريز عن "استعداده" للقاء روحاني. ومن المتضرّرين "حلفاء" واشنطن التقليديون، وفي مقدّمتهم السعودية، التي آثرت "الترحيب بحذر" بالاتفاق، على أمل أن يجلب "السلام" للمنطقة، لكنّها لم تُخفِ في الوقت نفسه "امتعاضها" من أميركا، "امتعاضٌ" ربطه البعض بتعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة السورية أيضًا، ووصل لحدّ تعليق المملكة لتعاملاتها مع واشنطن.
أبعد من كلّ ما سبق، الأكيد أنّ الاتفاق ليس "نهائيًا" وهو يخضع لفترة "تجريبية" تنتهي في آذار المقبل، ويُبنى على مقتضاها، وفي حين يرى فيه البعض "تسليمًا" لسلاحٍ نوعي عبر تعهّد عدم تطوير "قنبلة نووية"، فإنّ إيران، التي تحرص على أنّها لم تضع ذلك يومًا في حساباتها لأسبابٍ شرعية وأخلاقية قبل أيّ شيءٍ آخر، تصرّ على أنّها تبقى "الرابح الأكبر" من الاتفاق الذي سلّم ببرنامجها النووي والسلم واعترف بها "دولة نووي"، وهو ما كانت تطالب به حين كانت العقوبات تحيط بها من كلّ حدبٍ وصوب.
طبول الحرب قُرِعت.. وأطفِئت!
ومن النووي الإيراني إلى الكيميائي السوري الذي شكّل سلاح العام بامتياز، وهو الذي قاد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام خلال هذا العام، بعد أن ساهمت، ولو بشكلٍ غير مباشر، بعد أن "أخمدت" نيران حربٍ لم تكن توشك على الاشتعال فحسب، بل إنّ تداعياتها كانت كفيلة بالقضاء على الأخضر واليابس في المنطقة برمّتها كما كانت توحي كلّ التصريحات على هذا الصعيد.
القصة بدأت في الحادي والعشرين من آب يوم انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورٌ لمئات الأطفال قيل أنّهم قضوا بعد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية التي يخزّنها، وكانت هذه الصور كافية لإطلاق حملةٍ إعلامية "إنسانية" ضدّ النظام، الذي سارع لنكران الاتهامات التي وُجِّهت إليه، والذي كان للمفارقة من استدعى لجنة تحقيقٍ أممية إلى الأرض السورية للتحقيق بمجزرة "كيميائية" قال أنّ المعارضة المسلحة هي التي ارتكبتها.
وعلى وقع الاتهامات والاتهامات المتبادلة، بدأت طبول الحرب "تُقرَع" في المنطقة، "حربٌ" تطوّعت الولايات المتحدة الأميركية قيادتها، ولو حاولت التخفيف من وقعها بالحديث عن "ضربة محدودة" لن يكون الهدف منها إسقاط النظام السوري ككلّ، محدودية لم تسلّم بها دمشق التي سارع مسؤولوها للتأكيد على أنّ ضرب دمشق لن يكون "نزهة"، وساندهم في ذلك الحلفاء، وفي مقدّمهم روسيا التي اعتبرت على لسان رئيسها فلاديمير بوتين على أنّ أيّ ضربة لسوريا دون تفويضٍ من مجلس الأمن الدولي ستكون بمثابة "عدوان"، وإيران التي اصطفّت سريعًا إلى جانب دمشق مؤكدة أنّ أيّ ضربة لسوريا ستكون بمثابة "شرارة" لحربٍ إقليمية لن تعرف أيّ حدود.
وفيما تراجع الأميركيون عن أكثر من "موعدٍ" ضربوه لهذه الضربة تارة بانتظار قرار الكونغرس الأميركي "الموجَّل" بشأنها وطورًا بانتظار وضوح الأهداف التي كادوا يوزّعونها عبر الإعلام قبل ضربها في مفارقةٍ غير مسبوقة في تاريخ الحروب، تولّت موسكو تسويق "المخرَج" الذي تمّ التوصل إليه و"أطفئت" الحرب بموجبه وانطلق من تصريحٍ لوزير الخارجية الأميركية جون كيري في التاسع من أيلول طالب فيه الرئيس السوري بشار الأسد بتسليم مخزونه الكيميائي، في موقفٍ تلقفه سريعًا نظيره الروسي سيرغي لافروف مقترحًا على سوريا وضع أسلحتها الكيميائية تحت رقابةٍ دولية، وهو الأمر الذي وافقت عليه دمشق "ليس إذعانًا للتهديدات ولكن تلبية لنصائح موسكو"، كما حرص الرئيس السوري بشار الأسد على التأكيد في أكثر من مناسبة.
في المحصّلة، انضمّت سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، وسلّمت سلاحًا نوعيًا يُعتبَر بمثابة سلاح ردع، تقول أنّها لم تستخدمه بوجه شعبها يومًا، وأنّه موجَّهٌ لإسرائيل حصرًا، لتبقى النتيجة الأهمّ أنّ الحرب العالمية الثالثة التي دقّت ساعتها برأي كثيرين في العام 2013 عادت ورُحّلت لأجلٍ غير مسمّى، لا يعرف أحد متى يحين موعده.
مبادراتٌ دُفِنت قبل أن تولَد!
وبعيدًا عن حرب "الكيميائي"، استمرّت الأزمة السورية فصولاً خلال العام 2013، وبقي الدم يسيل في الشوارع السورية والقتلى يسقطون بالعشرات بصورةٍ شبه يومية، بل إنّ الأرض السورية تحوّلت إلى ساحة "جهاد" يتدفّق إليها المقاتلون من كلّ حدبٍ وصوب.
وإذا كانت السيارات المفخّخة تحوّلت إلى "عرفٍ يومي" في سوريا وبات الحديث عن "انتحاريين" حديثًا عاديًا في المدن السورية، تمامًا كما الحديث عن "معارك" تنشب هنا وهناك، وبالتالي إذا كان تعداد "المجازر" التي ارتُكِبت خلال العام 2013 عصيًا على التنفيذ، فإنّ تعداد "المبادرات" التي طُرِحت ودُفِن معظمها قبل أن يولد يبدو هو الآخر "مستحيلاً" في ضوء الشروط والشروط المضادة، والتي تقع كلّها في الإطار التعجيزي، ما جعل "الحل السياسي" الذي كثر التداول به مجرّد حبرٍ على ورق لا يزال يبحث عن "ترجمة عملية" له.
وفي حين بدأ العام بـ"مبادرة" طرحها الرئيس السوري بشار الأسد ورفضتها المعارضة التي أصرّت في أكثر من مناسبة على "رحيل الأسد" كشرطٍ لأيّ تسوية يمكنها القبول بها، فإنه يقفل على مواعيد مؤجّلة لمؤتمر "جنيف 2" الذي يُقال في الكواليس أنه لن يغيّر شيئًا على أرض الواقع، بل إنّه سيمهّد لـ"جنيف 3" و"جنيف 4" وربّما أكثر، طالما أنّ ظروف أيّ حلّ لم تنضُج بعد.
التكفيريون يتقدّمون.. ومعلولا نموذجًا!
المعارضة السورية باتت معارضات. قد لا يكون في هذا العنوان ما يفاجئ بالنسبة للمتابع، إذ إنّ هذه الانقسامات بدأت بالظهور في الميدان منذ العام 2012، علمًا أنّها لم تعد بخافية على أحد، وما خروج الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السوري كـ"رديفٍ" لما يُسمّى بالمجلس الوطني السوري، واستقالة رئيس هذا الائتلاف معاذ الخطيب، والمعوقات التي حالت دون انتخاب خلفٍ له لأشهرٍ طويلة، وتسمية رئيسٍ لحكومة انتقالية استقال بعد عجزه عن أداء مهمّته، سوى نماذج بسيطة عن وضع هذه المعارضة التي يبدو أنها ستبقى تعاني الأمرّين حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.
إلا أنّ الأخطر من كلّ ذلك في العام 2013 يبقى تقدّم جبهة "التكفيريين" وانتشار المقاتلين المقرّبين من تنظيم "القاعدة" على غيرهم، حتى أنّ السنة حافلة بالكثير من المعارك التي دارت بين المعارضين أنفسهم، لدرجة أنّ "الجيش السوري الحر" نفسه وقع ضحية لممارسات هذه المجموعات، التي ذهب بعضها لحدّ مبايعة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري.
وعند الحديث عن "التكفيريين" تحضر سريعًا حادثتان خطيرتان حفل بهما العام 2013 وتشكلان نقطة "سوداء" في سجلّ معارضةٍ تقول أنّها تسعى لـ"التحرّر"، أولّهما المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم في حلب في الثاني والعشرين من نيسان، وثانيهما خطف عدد من الراهبات اللبنانيات والسوريات من دير مار تقلا بمعلولا في الثاني من كانون الأول، بعد أن عاث المسلحون فسادًا في بلدة معلولا ذات الطابع الأثري المسيحي المعروف. وتُضاف هاتان الحادثتان، اللتان لا تزالان تنتظران الخاتمة السعيدة المأمولة، إلى عشرات الحوادث التي باتت تطرح العشرات من علامات الاستفهام عن مصير الأقليات في هذا الشرق وعن الدرك الذي لا يزال البعض يسعى لأخذ سوريا والمنطقة برمّتها إليه، في ظلّ صمت "مريب" لم يعد مسموحًا به من قبل ما يُسمّى بالمجتمع الدولي.
فعلها "شعب" مصر من جديد!
وإذا كانت الأزمة السورية بقيت في صدارة الاهتمامات العربية والإقليمية خلال العام 2013، فإنّ مصر استطاعت أن تسرق منها هذه "الصدارة" أكثر من مرّة، نتيجة لتسارع الأحداث الدراماتيكية على أرض الفراعنة، التي يقول الكثيرون أنّ قدم "الإرهاب" وطأتها للأسف وبدأت بتنفيذ "المؤامرة" عليها.
وبعد مرور سنواتٍ قليلة على "الربيع" المصري، سطّر الشعب المصري "ربيعًا" من نوعٍ آخر خلال العام 2013، بعد أن "انقلب" على الرئيس المُنتَخَب محمد مرسي الذي رأى البعض أنه "سرق الثورة" بل أخذ في "أخونة" الدولة المصرية بكلّ ما أوتيَ من قوة. وبعد أن وصلت الأمور إلى ما لا تُحمَد عقباه، كان اللجوء إلى الشارع من جديد في الثلاثين من حزيران، يوم انقسمت "ميادين" مصر بين مؤيدي "الإخوان" ومعارضيهم الذين استعادوا التاريخ بـ"مظاهرات مليونية" عنوانها "الشعب يريد إسقاط النظام".
سريعًا، تلقف الجيش المصري الكرة، فقرّرت القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الوقوف إلى جانب الشعب في "ثورته البيضاء"، فأمهلت "الرئيس" 48 ساعة في الأول من تموز لـ"تلبية مطالب الشعب"، قبل أن تضيف لقب "المخلوع" إليه في الثالث من تموز، وتقوده مخفورًا إلى السجن وهو يردّد عبارة "أنا الرئيس الشرعي لمصر".
وفي وقتٍ تحوّل السيسي إلى "القائد المحبوب" في مصر واستعاد معه البعض أمجاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بدت مصر بعد ذلك وكأنها تتّجه نحو "المجهول"، وكانت "الاستحقاقات" التي واجهتها أكثر من أن تُحتمَل، وبات الدم الذي يسيل في الشوارع من العناوين اليومية، خصوصًا في ظلّ رفض جماعة "الإخوان المسلمين" لأيّ حلّ لا يقوم على عودة مرسي إلى "الكرسي"، ما دفع الحكومة لإعلانها "جماعة إرهابية" في نهاية المطاف، لتبقى مصر التي ينتظرها مطلع العام الاستفتاء على الدستور الجديد، مشرّعة أبوابها أمام كلّ الاحتمالات من دون استثناء.
"ربيع صامت" في قطر.. وتظاهراتٌ في تركيا!
وإذا كان "الربيع المتجدّد" في أرض الفراعنة كلّف العشرات إن لم نقل المئات من الضحايا وسط "سيلان" الدم الذي لا يزال يسيطر على الشارع المصري لغاية كتابة هذه السطور، بعد أن باتت "الفوضى" هي سيّدة الموقف، فإنّ "ربيعًا" من نوعٍ آخر مرّ بسلاسةٍ وصمتٍ خلال العام 2013، من قطر حيث حصلت عملية تسلّم وتسليم "مفاجئة" ودون سابق إنذار بين الوالد ونجله.
فمن دون مقدّمات، أبلغ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني العائلة الحاكمة في الرابع والعشرين من حزيران تسليم مقاليد الحُكم لولي عهده الأمير تميم، ولم تكد تمضي أربع وعشرين ساعة على ذلك حتى أُعلِن رسميًا عن تسلّم الأمير تميم للحكم، وهو قام سريعًا بتغيير طاقم العمل الذي طال بشكلٍ أساسي رئيس الحكومة ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، إذ عُيّن بموجب الحكم الجديد عبدالله بن ناصر رئيساً لوزراء قطر وخالد العطية وزيراً للخارجية، وقد ترافق ذلك مع تسريباتٍ كثيرة عن تراجعٍ للدور القطري، خصوصًا إزاء الأزمة السورية التي ذهب القطريون بعيدًا في رهاناتهم عليها في فترةٍ من الفترات.
ومن قطر إلى تركيا، التي واجه رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان العديد من التحدّيات خلال العام 2013، لعلّ أبرزها التظاهرات المناهضة لحكومته ولو على خلفيةٍ بيئية، وهي تظاهراتٌ تعاملت معها الشرطة التركية بعنف، جعلت "خصوم" أردوغان في سوريا "يشمتون"، حيث صدرت دعواتٌ عن النظام السوري لأبناء الشعب السوري لتجنّب السفر إلى تركيا حرصًا على سلامتهم، كما وُجّهت دعوات لأردوغان لـ"الاستجابة لمطالب شعبه والرحيل". وفي حين تجاوز أردوغان إلى حدّ ما "الانتفاضة الشعبية" التي واجهها، لم ينقضِ العام 2013 إلا وحمل معه قضايا "فساد" بحقّ عددٍ من الوزراء في حكومته دفع هؤلاء لتقديم استقالتهم منها ودعوتهم لأردوغان لحذو حذوهم، الأمر الذي علّق عليه المراقبون بالقول "الدنيا دولاب".
... ولـ"الفاتيكان" ربيعه الخاص!
تحوّلاتٌ جذرية وتغييراتٌ نوعية حفل بها العام 2013 إذًا من إيران إلى مصر وقطر وغيرها من الدول الأخرى، لكنّ "الفاتيكان" كان له ربيعه الخاص والمدوّي كذلك الأمر.
هكذا، فجّر البابا بنديكتوس السادس عشر مفاجأة من العيار الثقيل في الحادي عشر من شباط حين استقال لأنّه لم يعد يقوى على مواصلة عمله لتقدّمه بالعمر، كما قال معلّلاً استقالته، التي شكّلت سابقة من نوعها في تاريخ الفاتيكان. وعلى الرغم من كلّ "التمنيات"، بقي البابا مصرا على رأيه، فأطلّ في السابع والعشرين من شباط للمرّة الأخيرة على آلاف المؤمنين في ساحة الفاتيكان وطلب من الكرادلة اختيار خليفة لبطرس.
ومن دون إبطاء، جرت عملية انتخاب البابا بديمقراطية وسرية شديدتين ليتصاعد في الثالث عشر من آذار الدخان الأبيض من مدخنة كابيلا سيستين، حيث تجري الانتخابات، معلنا انتخاب بابا جديد هو الكاردينال الأرجنتيني خورخيه ماريو برغوليو الذي أطلق على نفسه اسم فرنسيس، وبات معروفًا باسم البابا فرنسيس الأوّل، الذي بات اليوم وجهًا محبّبًا بالنسبة للمؤمنين حول العالم، والذي أعطى منطقة الشرق الأوسط حيّزًا من اهتمامه وهو الذي خصّص يومًا للصلاة والصيام من أجل المسيحيين في سوريا.
إرهابٌ متنقل من "بوسطن" إلى المنطقة!
وإذا كان "الإرهاب" بات للأسف الشديد أمرًا عاديًا في المنطقة، كما ذكرنا في محاور سابقة من هذا التقرير خصوصًا تلك التي تمحورت حول سوريا ومصر، فإنّه يكاد يصبح "تفصيلا" في هذه الدول، وكذلك في العراق، الذي لم يعد يمرّ نهارٌ إلا ويحمل معه أخبارًا عن انتحاريّ هنا وسيّارة مفخّخة هنا، بل إنّ موجات التفجيرات المتزامنة باتت هي السائدة في هذا البلد، الذي لا يزال يعاني.
وإلى جانب العراق وسوريا ومصر، دولٌ أخرى وطأها "الإرهاب" خلال العام 2013، ومنها تونس التي شهدت اغتيالَين لشخصيتين بارزتَين في المعارضة هما شكري بلعيد (6 شباط) ومحمد البراهمي (25 تموز) كانا كفيلَين بانهيار الشارع، ووصلت تداعياتهما إلى حركة "النهضة" الحاكمة التي اتهمها كثيرون بالتسبّب بشكل مباشر أو غير مباشر بما حصل، الأمر الذي أرخى بظلاله على الأزمة السياسية في البلاد وجعل تسمية رئيس للحكومة مهمّة شبه مستحيلة.
وكما في تونس، بقيت ليبيا تعاني من "الاضطرابات" التي لا تنتهي بفعل انتشار "الميليشيات" التي تعمل لإعادة ليبيا إلى مرحلة الفدرالية فضلاً عن مجلس محلي لكلّ منطقة، وقد بات الانفلات الأمني في ليبيا عنوانًا ليوميّاتها التي باتت تنقسم بين اعتداءات على شخصياتٍ عامّة، سكّان، سفارات، قنصليات، خطف، إغتيالات، في وقتٍ تحوّلت الميليشيات المسلّحة المسنودة بالعصبية القبليّة بحُكم الواقع إلى حكوماتٍ محلية في عدّة مدن.
لكنّ الغرب، الذي يُتَّهَم بأنّه مسؤولٌ عن مظاهر الانفلات في المنطقة وهو الذي لا يخفي مطامعه فيها ويعمل على تقسيمها ليل نهار، لم يَسلم هو الآخر من مخاطر "الإرهاب"، ولعلّ العملية الأبرز على هذا الصعيد في العام 2013 حطّت في بوسطن، وتحديدا في الخامس عشر من نيسان، حيث وقع تفجيرٌ مزدوجٌ في ختام ماراتون رياضي ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، فيما لفت أيضًا إعتقال شخص متهم بإرسال رسائل مسمومة للرئيس الأميركي باراك أوباما في الثامن عشر من الشهر نفسه.
فلسطين.. قضيةٌ شبه منسيّة؟!
وأخيرًا، تبقى القضية التي يُفترض أن تتصدّر كلّ القضايا، القضية الفلسطينية، القضية التي قال العرب يومًا أنّها قضيتهم المركزية فإذا بهم تُهمَّش منهم، بل إنّ بيانات القمم العربية وما شابهها لا يمرّ عليها، ولو لرفع العتب.
هكذا، نسي العرب القضية الفلسطينية في العام 2013، أو تناسوها، على الرغم من أنّ شيئًا لم يتغيّر على صعيدها، فالأراضي الفلسطينية بقيت مُحتلّة، والحصار المفروض على قطاع غزة بقي مثلاً كما هو، بل إنّه زاد في مرّاتٍ كثيرة خصوصًا مع الأحداث الأمنية التي وقعت في سيناء وأدّت لاقفال معبر رفح الذي كان المتنفّس الوحيد لسكان قطاع غزة، الأمر الذي فاقم من معاناتهم.
ومن الأحداث التي طبعت هذا العام فلسطينيًا كان التقرير السويسري الذي ثبّت المؤكد لجهة إظهار أنّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قضى نتيجة "تسمّم" ولم تكن وفاته لأسباب طبيعي، وهو تقريرٌ سارعت إسرائيل، المتّهمة الأساسية بقتل الزعيم الفلسطيني، لرفضه بحجّة أنّ غاياته "مشبوهة".
وعلى صعيد ملف الأسرى، تحقّق أكثر من إنجاز خلال العام 2013، كان أبرزها "الانتصار" الذي حقّقه المناضل سامر العيساوي الذي أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية في الثالث والعشرين من كانون الأول بعد أطول إضرابٍ عن الطعام خاضه الأسير الفلسطيني، الأمر الذي ربطه البعض بخشيةٍ إسرائيلية من أن يتكرّر معه سيناريو الأسير ميسرة أبوحمدية الذي توفي داخل زنزانته في الثاني من نيسان، الأمر الذي أحدث ردودَ فعلٍ شاجبة.
أما المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والتي عادت إلى "الحياة" خلال العام 2013، فإنّ الواضح كان "عدم الرضا الشعبي" عنها خصوصًا في ظلّ الشروط السابقة التي كانت قد وُضِعت لعودتها والتي لم يتمّ احترامُها، وبينها تعليق الأعمال الاستيطانية.
ساحات "الفوضى" إلى ازدياد؟!
باختصار، هذه هي سنة 2013، سنة سيطرت فيها السلبيات على ما عداها، سنة وجد فيها التطرّف بيئات حاضنة تكاد لا تنتهي، سنة انتشرت فيها الفوضى وباتت تحتار أيّ الساحات العربية هي في الواقع الأنسب لها، سنة نسي فيها العرب قضاياهم المحقة وانهمكوا بتفاصيل التفاصيل..
ولكن تبقى "فسحة الأمل" التي وفّرتها الاتفاقات "التاريخية" التي لم يكن يتوقعها أحد، سواء الاتفاق الأميركي الروسي لتفادي الحرب انطلاقاً من سوريا أو الاتفاق الإيراني الغربي الذي هدّأ معظم الجبهات، تبقى هذه الفسحة لترسم مع نهاية العام صورة تفاؤلية، على أمل أن تسود لنصل فعليًا إلى السلام الذي ينشده الجميع، السلام الذي لا يزال يبدو بعيدًا ولا تزال فاتورته تزداد دموية أكثر فأكثر يومًا بعد آخر!