لفت مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني خلال رعايته احتفال لتوزيع إذاعة القرآن الكريم من لبنان التابعة لدار الفتوى الجوائز على الفائزين الثلاثين في مسابقة شهر رمضان المبارك، التي نظمتها بعنوان "وفي أنفسكم" هي عبارة عن ليرة ذهبية لكل فائز، الى "إن لبنان أيها السادة، وفي ظل المتغيرات القاتلة والمدمرة في المنطقة العربية من حوله هو في الحقيقة في عين العاصفة، ويعيش كل مكونات الصراعات والنزاعات من حوله، إلا أن أمنه لم ينفجر بعد على نسق ما يحدث من حوله، ومؤسساته الدستورية على وشك السقوط، ومؤشر بداية السقوط هو عجز اللبنانيين عن تشكيل حكومة تحكم وطنهم حتى اليوم، فهم بلا حكومة تقريبا، ودولتهم تتهاوى رويدا رويدا أمام أعينهم، وتتماسك فقط بمؤسسة الجيش وقوى الأمن الداخلي، أما المؤشر المدمر للبنان وإلحاقه بجحيم المنطقة العربية فسيبدأ قريبا يوم يعجز اللبنانيون عن إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إنه سيكون يوم بداية تفكك لبنان وكيانه، ولن ينفع لبنان يومها حكومة تصريف الأعمال لتتولى سلطات رئيس الجمهورية، إن حكومة تصريف الأعمال اليوم عاجزة عن الاجتماع لتصريف أمورها في حدها الأدنى، فكيف تتحمل صلاحيات رئيس الجمهورية التي تعجزها فوق عجزها، والنتيجة يومها صفر لا شيء وتلاشي لبنان؟".
ورأى قباني "أن خوف المسيحيين اليوم على وجودهم وكرامتهم في الشرق هو خوف صحيح ومبرر، وخصوصا عندما يشاهد المسيحيون كيف تخطف راهباتهم ورهبانهم، وتكسر رموز معتقداتهم الدينية على شاشات التلفزة وقنواتها في العالم، إن هذا العمل مرفوض وغير جائز في الإسلام، ولا يجوز التعدي على المسيحيين في معتقداتهم ورموزهم، والمسلمون ملتزمون بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للبطريرك "صفرنيوس" بطريرك القدس يوم حرر عمر القدس من الرومان حيث قال عمر في عهده للمسيحيين يوم دخل بيت المقدس: "على أن لا تهدم كنائسهم، ولا تكسر صلبانهم"؛ هذا عهد ملزم لكل مسلم ليس في القدس فحسب، لأن ما عاهد عليه عمر هو مبدأ الإسلام وأحكام الإسلام، ونبينا ورسول الله إلى العالم محمد صلى الله عليه وسلم كان يوصي الجيش وقت النزاعات ويقول له: "لا تقتلوا ولدا، ولا طفلا، ولا امرأة، ولا شيخا كبيرا، ولا تقطعوا شجرا مثمرا، وستمرون على أناس نذروا أنفسهم في الصوامع (أي الرهبان والراهبات في الكنائس والأديرة) فاتركوهم وما يعبدون".
وقال: "فأين مبادئ الإسلام العظيمة هذه مما نراه اليوم يصدر عن بعض المسلمين في معاملة المسيحيين في معلولا؟ وخطف راهباتها؟ وتكسير رموزهم الدينية؟ وإلقائها على الأرض؟ وخطف الراهبين المطران يوحنا ابراهيم، والمطران بولس يازجي، ولذلك فإن على جميع المسئولين المسلمين اليوم ملوكا وأمراء ورؤساء أن يخلصوا دين الإسلام من تبعة عدوان بعض المسلمين على رهبان المسيحيين وراهباتهم، ويعملوا جديا على تحريرهم وإطلاق سراحهم من الخاطفين وتسليمهم إلى أقرب كنيسة لهم، حتى يسجل لكم التاريخ أيها العرب والمسلمون أنكم أنصفتم الإسلام وحميتموه من بعض أبنائه، وهذا المطلب لا يثيرن دهشتكم، فإن مخطوفي أعزاز من قبل سعى في تحريرهم وإطلاق سراحهم بعض أمراء العرب والرؤساء المسلمين".
اضاف: "إن بداية فتنة القتل المذهبية بين السنة والشيعة، المتنقلة بين منطقة وأخرى كما حدث في منطقة "الصويري" في البقاع الغربي بالأمس وذهب ضحيتها قتلى وجرحى ومصائب كبرى للعائلات السنية والشيعية، هي نذير شر مستطير لكم أيها السنة والشيعة، لماذا ستقتلون بعضكم؟ لماذا ستضحون بأولادكم وفلذات أكبادكم ليعودوا إليكم في النعوش؟ أتدرون إلى أين أنتم ذاهبون؟ أفيقوا أيها السنة؛ أفيقوا أيها الشيعة، إياكم والتقاتل مع بعضكم، فإن الدم يستجلب الدم، وقتالكم لبعضكم إن وقع فهو نتاج زعمائكم وخطاب تحديهم لبعضهم، ثم يأتي تحديكم لبعضكم وقتلكم أنفسكم نتيجة لثقافتهم، وإبليس هو الرابح، فلا تكونوا دعاة إبليس على أبواب جهنم".
وتابع: "وللاعلام أيها السادة دور مهم في حياة الأمم والشعوب، خصوصا مع تطور وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة، حتى أصبح يساهم مساهمة فعالة في ميدان العلم والتعليم والاتصال بين الأفراد والمجتمعات والشعوب. ودوره الأهم في لبنان، هذا البلد الطيب الذي يغتاله سياسيوه ومجموعاتهم كل يوم، أن يكون أمينا على عقول وتفكير اللبنانيين، فلا ينقل إلا النبأ الصادق من مصادره، ولا يشارك في تأجيج النزاعات، ويجتنب الكذب والتجريح بالآخر، ويعزز ثقافة الرقي لا الإسفاف". وختم: "وقى الله لبنان هذا البلد الطيب وأبناءه الطيبين من نتائج لعبة الأمم على ملعب الأمم في لبنان".