هل دخل رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في المرحلة التي تسبق إعلان نهاية أحلامه، ليس فقط في استعادة أمجاد العثمانية الغابرة وتنصيب نفسه سلطاناً عثمانيا، وإنما أيضا في عدم تمكنه من مواصلة حكم تركيا بعدما فقد أهم عناصر قوته، وانفراط عقد ائتلافه الذي شكل الداعمة الأساسية التي مكنته من الحصول على غالبية في الانتخابات البلدية والنيابية، وبالتالي إحكام قبضته على المؤسسة الدستورية وترويض المؤسسة العسكرية، وصولا إلى القدرة على القضاء على ما يسمى الدولة العميقة؟.
هذا السؤال طرح نفسه بقوة اثر خروج الصراع المستتر بين اردوغان وفتح الله غوليين إلى الضوء على خلفية قرار حكومة اردوغان اغلاق المدارس المسائية الخاصة التي يتلقى فيها بعض الطلاب دروساً خصوصية، والتي تمولها جماعة النور التي يرأسها غوليين، في محاولة واضحة لإضعاف النفوذ المتزايد لهذه الجماعة وسط الشباب، وهو ما عكسه قرار مجلس الأمن القومي بتاريخ 25 أغسطس من عام 2004، والذي حمل توقيع اردوغان وقضى بوقف كل أنشطة جماعة النور في البلاد، مما دفع غوليين إلى اتهامه بأنه «مستبد وفرعون».
غير أن ما لفت أنظار المحللين هو توقيت إقدام جماعة غولين على استخدام قوتها داخل مؤسسات الدولة القضائية والأمنية للرد على سياسات اردوغان الاقصائيه بحقها،وشن حملة مضادة ضد حكومة اردوغان عبر تسيطر مذكرات اعتقال أبناء وزراء في الحكومة والعديد من رجال الاعمال المقربين من حزب العدالة والتنمية بتهم الفساد، شملت تبيض أموال وتزوير في عمليات استدراج عروض عامة لبناء مساكن.
في التوقيت
إن توقيت هذا الهجوم المباغت من جماعة غوليين يأتي متزامناً مع التطورات والتحولات الحاصلة في المنطقة والعالم، والتي عكست التبدل الواضح في موازين القوى الدولية والإقليمية في غير مصلحة رهانات اردوغان، معطوفا عليها تصاعد الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل تركيا التي تسببت بها سياسات اردوغان وأدت إلى تراجع الاستقرار والازدهار الذي عم البلاد لسنوات بعدما جرى الانقلاب على سياسة تصفير المشاكل مع دول جوار تركيا، وتحولت إلى سياسة إثارة المشاكل مما انعكس سلبا على الوضعين الأمني والاقتصادي.
ومن المعلوم أن هناك جفاء في العلاقة بين أنقرة وواشنطن على خلفية التباين في مقاربة الموقف من الأزمة السورية، وأن غوليين متواجد في أميركا منذ عام 1999، ويدير مؤسسات وشركات هناك توفر له نفوذاً وعلاقات مع المسؤولين فيها.
ولذلك يعتقد أن التوقيت له علاقة بتلاقي المصلحة بين واشنطن وجماعة غوليين لإضعاف اردوغان، وتقليم أظافره، وإخضاع السياسة التركية لحاجة واشنطن الماسة لدور تركي متناغم مع توجهاتها وسياساتها الدولية والإقليمية المستجدة، لما لتركيا من موقع مؤثر في الإقليم.
كما أن الخطوة الغولينية لا يمكن فصلها عن قرب موعد الاستحقاق الانتخابي البلدي الذي يعتبر مهماً بالنسبة لحزب التنمية العدالة كونه يشكل الاساس الذي يبين عليه لتحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة.
فالكشف عن فضائح فساد داخل حزب العدالة ولدى وزرائه يسهم في إزالة كل مساحيق التجميل التي بنى عليها حزب اردوغان شعبيته مما اسقط عنه صفات العدالة والشفافية والحرص على المال العام وغير ذلك من ادعاءات بالنزاهة والمصداقية.
انعكاسات الطلاق بين أردوغان وغولين
من دون شك فان حدوث الطلاق بين اردوغان وغولين يشكل انفراطاً لعقد ائتلاف شكل احد الأعمدة الأساسية لقوة حزب العدالة والتنمية، والذي مكنه من حصد غالبية في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي السيطرة على مؤسسات البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية والتربع على عرش حكم تركيا طوال السنوات الماضية.
وانفراط هذا الائتلاف يعني خسارة حزب العدالة لقوة أساسية لها وزنها ونفوذها، أن كان داخل مؤسسات الدولة حيث توصف بأنها تملك حكومة موازية داخل الدولة لا تقل قوة عن قوة الدولة العميقة التي تمكن اردوغان من تصفيتها كما قيل، وهذه الحكومة الموازية هي البيروقراطية الممسكة بمؤسسات وأجهزة الدولة التركية، أو في الأوساط الشعبية المتدينة والتيار الاسلامي.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار تنامي قوة المعارضة السياسية والشعبية في البلاد ضد سياسات اردوغان، والتي عكستها انتفاضة تقسيم التي جرى قمعها بالقوة لكن الاحتقان الشعبي والسياسي لا يزال في أوجه، وكذلك استطلاعات الرأي التي تؤشر إلى تراجع شعبية اردوغان والتصدعات التي بدأت تطال حزب العدالة والتنمية، والمعبر عنها بالخلاف بين اردوغان ورئيس الجمهورية عبدالله غول، وبين اردوغان ونائبه في الحكومة أي بولنت أرنج، واستقالة قيادات من الحزب احتجاجاً على أدائه السياسي وطريقة مواجهة المتظاهرين في ساحة تقسيم.
فإننا نخرج بخلاصة تفيد بأن عصر اردوغان قد بدأ بالأفول وأن أحلامه قد تهاوت وأنه دخل في نفق مظلم لا مخرج منه، لان كل عوامل القوة التي رفعته إلى كرسي السلطة قد بددها، وهو مقبل على استحقاقات انتخابية كان يراهن عليها في أن تأتي به رئيساً للجمهورية وبصلاحيات فعلية، فإذا به يخسرها قبل خوض غمارها فالمقدمات تصنع النتائج، فأردوغان بات جل همه العمل على احتواء الأزمة والحد من خسائره وبالتالي محاولة الحفاظ على حكومته من السقوط أمام فضائح الفساد التي تحوم حول بعض وزرائها بعد انكشاف تورط ابنائهم في عمليات مالية مشبوهة، ولهذا يتجه اردوغان الى القيام بتعديل وزاري واسع في حكومته، يقضي بالتخلص من بعض الوزراء الذين تحوم وحولهم شبهات الفساد للنأي بنفسه عن أي شبهة بعد سقوط صفة النزاهة والنظافة عن حزبه، من ناحية، والعمل في الوقت نفسه على شن هجوم ضد جماعة النور ومعارضيه واتهامهم بتنفيذ مؤامرة أميركية للقضاء عليه. وهو اشارت اليه بوضوح وسائل الاعلام التركية التي اتحدث عن قيام اردوغان برفع سقف المواجهة مع خصومه عبر وضع فضيحة الفساد في سياق مؤامرة خارجية.
هذا المشهد التركي ينبئ بعودة تركيا إلى مرحلة الصراعات الداخلية تغذيها الازمات الداخلية والانقسامات السياسية، وكذلك السياسة الأميركية الساعية إلى ترجيح كفة الطرف الذي ينسجم مع توجهات واشنطن الجديدة، إقليميا ودولياً، والذي تشير المعطيات والوقائع إلى أنه سيكون عبدالله غول الذي يعول عليه ليكون بديلا لاردوغان في رئاسة حكومة تركية ائتلافية ستعكسها الانتخابات المقبلة، هذا إذا لم نفاجأ بسقوط حكومة اردوغان قبل هذا التاريخ.