ودّع اللبنانيون ومعهم العالم بأسره سنة 2013 غير مأسوفٍ عليها، وهي التي جلبت معها "الويلاتٍ" إلى وطنٍ بات، كما يُقال، على حافة الانهيار، وأعدّوا العدّة لاستقبال سنةٍ جديدةٍ يخشون أن لا تكون سوى "تتمّة" لسابقتها، وهي التي أسّست لموجةٍ غير مسبوقة من "الإرهاب" في الربوع اللبنانية..
وعلى "المسافة الفاصلة" بين السنة الراحلة والآتية، تسرّبت أخبارٌ عن إنجازٍ أمني غير مسبوق حقّقه الجيش اللبناني بوضع اليد على أحد أهمّ وأخطر المطلوبين، أمير "كتائب عبد الله عزام" ماجد الماجد، في عمليةٍ معقّدة لم يتمّ تأكيدها بشكلٍ رسمي لغاية الآن، رغم أنّ "الإشادات" بها بدأت تتسرّب من العواصم العالمية والإقليمية.
وبعيدًا عن الأمن الذي شكّل "الحدث" في الـ2013 ويبدو أنه سيبقى كذلك في الـ2014، فإنّ أنظار اللبنانيين تتّجه نحو استحقاقاتٍ أساسية لا تخلو من الحساسية، وأولها الانتخابات الرئاسية "المفترضة" في شهر آذار المقبل، وما يمكن أن يسبقها على صعيد الحكومة، وما سُمّي بـ"حكومة الأمر الواقع" التي يلوّح البعض باحتمال إبصارها النور بين ليلةٍ وضُحاها!
كنزٌ ثمين..
بعد ظهر الثلاثاء، اليوم الأخير من 2013، بدأت الأخبار تتسرّب عن "الإنجاز الأمني" غير المسبوق. ورويدًا رويدًا، بدأت تتكشّف المعطيات أكثر فأكثر، وكلّها معطيات استندت، للمفارقة، إلى "المصادر الأمنية"، دون أن تحوز على تأكيداتٍ رسمية لغاية كتابة هذه السطور.
وبانتظار هذا "التأكيد الرسمي"، فإنّ المعلومات "غير الرسمية" أكّدت أنّ مخابرات الجيش اللبناني تمكّنت فعلاً من توقيف أمير "كتائب عبدالله عزام" السعودي الجنسية ماجد الماجد وذلك بعد خروجه ليل الجمعة الماضي من مستشفى "المقاصد" في بيروت حيث كان يقوم بعملية غسلٍ للكلى، علمًا أنّ وكالة "رويترز" أشارت إلى أنّ الماجد اعتُقِل مع متشدّدٍ سعوديٍ آخر بحسب ما أكّده لها مصدرٌ أمني لبناني لم يحدّد هوية المعتقل الآخر ولا توقيت العملية.
يُذكَر أنّ الماجد كان محل رصد ومتابعة وملاحقة من قبل مخابرات الجيش اللبناني كونه مطلوباً في قضايا إرهابية عدة في لبنان وخارجه، وآخرها الاعتداء الإرهابي على حاجزي الجيش اللبناني في الهلالية والأولي في منطقة صيدا، وهي العملية التي تردد وقتذاك أن أحد أهدافها التمويه على عملية تهريب الماجد من مخيم عين الحلوة الى شمال الليطاني. كما أن "كتائب عدالله عزام" متهمة بتبني أكثر من عملية إطلاق صواريخ "كاتيوشا" من الجنوب باتجاه شمال فلسطين المحتلة، فضلاً عن تبني عملية تفجير السفارة الإيرانية في شهر تشرين الثاني الماضي.
وتشير المعلومات المتداولة أيضًا إلى أنّ الماجد كان يقيم منذ فترة في مخيم عين الحلوة وغادره قبل شهور الى سوريا حيث بايع هناك أمير "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني.
"تخبّطٌ" رسمي؟
إزاءَ المعلومات المتداولة عن القبض على أمير "كتائب عبدالله عزام"، بقي "الصمت الرسمي" سيّد الموقف، وهو الذي رُبط تارة بالخشية الرسمية من "ردود فعل" من جانب "القاعدة" التي قد تلجأ لعمليات "انتقامية" وطورًا بفحوص الحمض النووي التي يتمّ إجراؤها للتأكّد من هوية المتشدّد الموقوف.
إلا أنّ هذا الصمت خُرق بما يمكن تسميته بـ"التخبط" الذي عبّرت عنه التصريحات "المتناقضة" المنسوبة لوزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن، الذي نُسِب له أولاً تأكيد عملية التوقيف، قبل أن تنقل عنه إحدى المحطات التلفزيونية نفيه ذلك، لتذهب محطة أخرى وتنقل عنه أنه "لا يؤكد ولا ينفي"، لينتهي الأمر ببيانٍ صادرٍ عن مكتبه الإعلامي ينفي فيه أن يكون قد أدلى بأيّ تصريحاتٍ لأيّ وسيلةٍ إعلاميةٍ.
وبعيدًا عن هذا التخبط، وقبل التأكيد الرسمي للخبر، فإنّ الحيثيات أخرجته من "محليته" ليأتي التأكيد من جانب الولايات المتحدة الأميركية، مع نقل وكالة "رويترز" عن مصدرين في مجلس الأمن القومي الأميركية تأكيدهما أنّ التقارير الصحافية التي تحدّثت عن إلقاء القبض على الماجد "موثوقة"، في حين أشاد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي بأجهزة الأمن اللبنانية لاعتقالها من وصفه بالعنصر الرئيسي الضالع في عملية التفجير التي استهدفت سفارة بلاده في بيروت، داعيا السلطات اللبنانية للتدقيق في مسألة أن "العنصر الرئيسي في العملية سعودي الجنسية"، معتبرًا أنّ هذه القضية تحظى بالاهتمام.
"حكومة استفزازٍ وتحدّ"
إلى السياسة الداخلية التي واصلت "إجازتها" التي يبدو أنّها مستمرّة إلى أجل غير مسمّى، وهي "إجازة" لا تخرقها سوى الأحداث الأمنية التي تعصف بالبلاد بين الفينة والأخرى، إضافة إلى بعض المواقف التصعيدية التي يطلقها الأفرقاء السياسيون من وقتٍ لآخر.
وإذا كانت "حكومة الأمر الواقع" محور أخذٍ وردّ هذه الأيام، في ضوء التقارير الصحافية التي تتحدّث عن "نيّةٍ" موجودة لإعلانها في القريب العاجل، علمًا أنّ بعض المعلومات تحدّثت عن تحديد الأسبوع المقبل موعدًا لذلك، عادت التحذيرات من خطوةٍ من هذا النوع لتتصدّر المشهد. وفي هذا السياق، لفت ما نقلته صحيفة "الحياة" عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجهة قوله أنّ حكومة كهذه ستسقط لأنّها لن تنال الثقة، باعتبار أنّه والنائب وليد جنبلاط لن يمنحاها الثقة، مشدّدًا على أنّها لن تكون صالحة لتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال لم يتم انتخاب الرئيس الجديد، فالدستور واضح في هذا المجال، لأنه ينص على عدم ممارستها صلاحياتها قبل نيلها الثقة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.
موقفٌ لافتٌ أيضًا صدر عن "حزب الله" خلال الساعات الماضية، وتحديدًا عن نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، الذي وصف تشكيل حكومة أمر واقع أو ما أسماه "حكومة استفزاز وتحدّ" بأنه "الفتنة"، مشدّدًا على أن "الممر الوحيد الآمن من الألغام أمام الحكومة هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأنه لا يمكن الرهان على الصوت العالي ولا على الاتهامات والاستفزازات".
كلمة أخيرة..
بهدوءٍ نسبي، تنطلق سنة 2014، إذ إنّ إجازة الأعياد لا تزال ترخي بثقلها على كلّ شيء في البلاد، وهو ما يُتوقّع أن يمتدّ أقلّه حتى بداية الأسبوع المقبل.
لكنّ كثيرين يخشون من أن يكون هذا الهدوء هو فقط "هدوء ما قبل العاصفة"، "العاصفة" التي ستبدأ بتشكيل حكومة أحاديةٍ مع ما سيعنيه ذلك من نقلٍ للبنان نحو "المجهول" الذي لا يمكن لأحدٍ أن يتكهّن بطبيعته من الآن.
اليوم، يأمل اللبنانيون أن تكون سنة 2014 قد دفنت معها كلّ "ويلات" 2013، إلا أنّ "الأمل" وحده لا يكفي، والمطلوب من الطبقة السياسية أكثر من ذلك بكثير!