في الوقت الذي يحتفل فيه المسيحيون في كافة أنحاء العالم بميلاد السيد المسيح، وخصوصاً في كنيسة المهد التي شهدت ولادته قبل ألفي عام، في ظلّ ما تمارسه إسرائيل من إجراءات قمعية على الأرض بحق هذه المدينة التي تنادي دوماً بالمحبة والسلام، تصرّ إسرائيل على استكمال مسلسل تزييف الحقائق ومحاولة تغيير التاريخ وطمس المعالم والهوية الفلسطينية، من خلال تصريحات عنصرية نابعة من سياستها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، وهو ما تجلى بالغضب الشديد الذي عبّرت عنه الخارجية الإسرائيلية من تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال مشاركته في "عشاء الميلاد" الذي تقيمه حراسة الأراضي المقدسة في بيت لحم عندما قال "إن المسيح كان فلسطينياً"، وكان قد سبقه كبير المفاوضين صائب عريقات، بحديثه عن السيد المسيح بأنه أول شهيد فلسطيني بعد مقتله على يد الرومان.
وتسببت صلاة عيد الميلاد في بيت لحم أيضاً هذا العام، في إحداث ضجة كبيرة بعد تصريح عباس الذي أغضب إسرائيل، خصوصاً حين قال أن المسيحيين ليسوا أقلية بل هم جزء أصيل من القومية الفلسطينية العربية، وأن إسرائيل هي السبب الرئيسي في هجرة المسيحيين من فلسطين.
نفتخر أنّ المسيح ولد في بلادنا
وفي هذا السياق، اعتبر رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس المطران عطالله حنا أنّ إسرائيل هي قوة احتلالية غاشمة عنصرية في المنطقة، مؤكداً أن كل ما تصرح به وتقوله هو نابع من سياستها العنصرية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني.
قال عطالله لـ"النشرة": "نحن كفلسطينيين وشعب فلسطيني، مسيحيين ومسلمين، نفتخر أن المسيح ولد في بلادنا، أي أنه من حيث مولده والمكان الذي عاش وترعرع فيه ونادى فيه بكل القيم، في هذه البقعة المقدسة من العالم التي هي فلسطين".
وأوضح المطران حنا أنه "لنا الحق أن نقول أن المسيحي فلسطيني من حيث مولده، ومن حيث المكان الذي عاش فيه، وإن كانت رسالته هي لكل لعالم إلا أن مولده هو في البقعة المقدسة من العالم فلسطين".
ولفت حنا إلى أنّ رسالة السيد المسيح هي رسالة مسكونية، رسالة سلام لكل العالم والشعوب بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو اللغة، مؤكداً في الوقت عينه رسالة المسيح ليست محدودة في مكان محدد أو فئة معينة أو عند شعب معين، بل هي لكل العالم.
ماذا تريد إسرائيل؟
ورداً على سؤال عن الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك، قال حنا إنّ إسرائيل تزوّر الحقائق والتاريخ وتسعى لطمس معالم القدس وتزوير البعد الحضاري والتاريخي لهذه المدينة المقدسة، مشيراً إلى "أننا نحترم الدين اليهودي كدين ونعترف بوجود الديانة اليهودية ونحترمها كما نحترم كل الديانات الموجودة في هذا العالم".
وتابع: "نحن نرفض التعصب والتطرف وأن يعتبر اليهود أنّ هذه الأرض لهم، فضلاً عن تنكرهم للحق العربي والإسلامي والمسيحي في هذه الديار".
ورأى رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس أنّ الإعلام الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين يشوّهون التاريخ ويتطاولون عليه ويريدون أن يقولوا أن فلسطين لهم في حين أنها ليست كذلك وهي قوة احتلال في هذه البلاد.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية يجنال بلمور، وصف تصريحات عباس بالمجنونة، إذ قال أنه "كان يتعين عليه النظر جيداً في العهد الجديد قبل أن يُعلن تصريحاته المجنونة، لكننا سنصفح عنه لأنه لا يدرك ما يقوله، فالمسيح يهودي وليس فلسطينيا"، على حدّ تعبيره.
إسرائيل تحاول تزوير الحقائق
"إسرائيل ضد كل الحقائق"، هذا ما أكد عليه عبدالفتاح حمايل، محافظ مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة التي تحتضن كنيسة المهد ومختلف المقدسات وشهدت مولد المسيح، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنّ ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو حقيقة لا يمكن لأحد انكارها.
وفي حديث لـ"النشرة"، شدد حمايل على عدم وجود أي رواية تدلّ على أن المسيح لم يولد في بيت لحم، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تحاول أن تنفي كل هذه الحقائق، قائلاً: "المسيح فلسطيني ويبدو أنّ الإسرائيليين فقدوا صوابهم بتأثير العنصرية التي لا يرون الحقائق المزيفة إلا خارجها".
وأوضح حمايل أن غضب إسرائيل لن يؤثر أو يغير من هذه الحقيقة، معبراً عن "افتخارنا كفلسطينيين بأن المسيح ولد في بيت لحم".
وأضاف محافظ بيت لحم: "هم يحاولون تمرير قناعاتهم المغلفة والمزورة، هذه أصوات ممجوجة والحقائق تغيظهم، هم يريدون تزييف كل الحقائق لكنهم لن ينجحوا في ذلك".