«المستحيل على صعيد رئاسة الجمهورية اليوم سيكون في متناولنا بعد ثلاثة أشهر». هذا ما تقوله بعض مصادر 8 آذار. فما بدأه الأميركيون والإيرانيون في العراق، ممثلين بحكومة نوري المالكي، سيشمل عاجلاً كل «محافظات الأنبار» في المنطقة. ليس الإطباق على «داعش» إلا صدى لمقتضيات «مواجهة الإرهاب» التي يتحدث الروس بوضوح عن اتفاقهم مع الأميركيين في شأنها. وتؤكد التجربة العراقية، وهي مسرح نفوذ الرياض الأكبر في المنطقة، أن المملكة تتخلى عن المجموعات التي تدعمها حين يُتخذ قرار دولي بتصفيتها، وتبحث لنفسها عن موطئ قدم في الحل. ومن تابع فضائيات المملكة في الأيام القليلة الماضية، خرج بانطباع أن الجيش العراقي يرابض في ثكناته، فيما تقاتل العشائر وحدها ضد «القاعدة».
يتحدث نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، هنا، عن علاقة بين اختيار الرئيس ووظيفته: تأمين علاقة تشاركية بين الطوائف أو استفزاز تناقضاتها؟ إعادة بناء الدولة أو التفرج على مضي الدويلات في استقلالها؟ تعديل الدستور؟ إقناع حزب الله بتسليم سلاحه؟ مواجهة الإرهاب؟. بحسب الفرزلي، «تكمن أزمة قوى 14 آذار في افتقادها المرشح القادر على رفع إحدى هذه اللافتات، لأن أحداً في المجتمع الدولي لا يصدق قصة الرئيس الخارق الذي ينزع سلاح حزب الله بالقوة، ولا أحد يسعى وراء ذلك جدياً الآن. الأضواء في مكان آخر».
في المقابل، «تعيش قوى 14 آذار من دون بوصلة»، تقول مصادرها. ليس نقل الاجتماعات الشكلية للأمانة العامة لهذه القوى إلى منازل أعضائها لأسباب أمنية، إلا واحداً من نماذج إذعانها للحصار المطبق عليها. تحاول تحويل تهديدات صبيانية لنوابها إلى قضية رأي عام تملأ خواء خطابها السياسي. يوم تشييع الوزير السابق محمد شطح حشد تيار المستقبل 19 باصاً قرب ساحة عبد الحميد كرامي في طرابلس، لم ينطلق منها بعد تأخير ساعة ونصف ساعة سوى أربعة. يدفع التيار رواتب لنحو 400 موظف شمالي في مؤسساته، ولا يشارك في احتفالاته أكثر من مئتين منهم. يقتبس قراء الصحف بين سياسيي هذا الفريق مما يكتب في الصحف السعودية، لإقناع أنفسهم والآخرين بأن طهران ضحّت ببرنامجها النووي لتفك القبضة الاقتصادية عن رقبتها، وبأن لدى السعودية أوراقاً مذهبية مماثلة للأوراق الإيرانية يمكن أن تلعبها حتى في إيران نفسها.
فعلياً، تعلن قوى 14 آذار كل يوم، منذ نحو عام، استسلامها. هي لا تمانع تضييع الوقت ريثما تتقاطع مصلحة المجتمع الدولي مع مصلحة النائب السابق فارس سعيد. وحده الرئيس ميشال سليمان لا يطيق الانتظار. تنتهي صلاحية وجوده السياسيّ، خلافاً لجميع الفرقاء، في تاريخ محدد: 25 أيار. لن ينتظر نضوج التسوية الإيرانية ــــ الأميركية، واتضاح مسار الأزمة السورية، وكشف الإرهاب المعشعش في مناطق نفوذ تيار المستقبل عن حقيقة وجهه. يتماشى رئيس الجمهورية بذلك مع الخشية السعودية من نتائج الاتفاق الإيراني ــــ الأميركي، وشموله لبنان. تقرأ بعض أوساط 8 آذار مقتل شطح، بعد العميد وسام الحسن، في سياق الخشية هذه. إحراق الأوراق الأميركية في بيئة المستقبل، يتبعه تفجير في الضاحية وتعويم أوراق أخرى في بيئة المستقبل: لم يحلم النائب خالد ضاهر في حياته برؤية هذا العدد الكبير من الميكروفونات أمامه في مؤتمره الصحافي الأخير. صدّق أنه صاروخ، فيما يصدق سليمان أنه قادر على إحداث خرق في جدول أعمال حزب الله.
يقول مصدر في الحزب الاشتراكي إن فشل تيار المستقبل وتوابعه في كل محاولاتهم السياسية وانكماش النائب وليد جنبلاط، لم يبق أمام السعودية غير سليمان الذي نجح حيث فشل كثيرون: فرمل اندفاع الرئيس نجيب ميقاتي في بداية عهده الوزاري، فصل مسار بعبدا ومصيرها عن النظام السوري، عطل اقتراح القانون الأرثوذكسي، حمى المحكمة الدولية و«انتفاضة الاستقلال»، ومنع تكتل التغيير والإصلاح من تعيين ولو موظف واحد من الفئتين الأولى والثانية في أجهزة الدولة. لماذا لا تعوّل عليه السعودية، إذاً، لتخريب «مخطط» حزب الله؟
يفترض سليمان، كما يسرب أحد مصادره، أن الحزب لا يريد حكومة ولا توافقاً مبكراً على رئيس للجمهورية لتعميم الفراغ، لكي يذهب الجميع لاحقاً إلى مؤتمر تأسيسيّ جديد. وعليه يتطلب إحباط هذا المخطط ملء الفراغ. عمد سليمان هنا إلى قص شريط السباق الرئاسي أبكر من كل أسلافه. لكن أحداً لم يجاره فعلياً: ليس بين المرشحين من هو مستعد لاحراق أوراقه الآن، ويقول أكثرهم جدية إنه لن يجري مقابلة صحافية قبل مطلع نيسان. لم يبق أمام سليمان، لتدارك الفراغ، سوى التعويل على حكومة تمام سلام، رغم النقاش القانوني حول دستورية إدارتها للبلد من دون حصولها على ثقة المجلس النيابي.
عادة يكون القلق في الأوساط العونية عشرة أضعاف مثيله لدى حزب الله. صحيح أن أحداً في التيار الوطني الحر لا يعرف ما يخبئه حزب الله لحكومة سلام الموعودة، بعدما عطّل العونيون ورقة التلويح بعدم تسليم الوزارات للوزراء الجدد قبل نيلهم ثقة المجلس النيابي. إلا أنهم ليسوا قلقين: «تكون الأمور مخيفة حين تتوفر إرادة دولية بتفجير الصراع، أما اليوم فهناك بعض المتضررين فقط من التفاهم الدوليّ الذين يرفعون سقف خطابهم لإدخالهم في التسوية. لا يمكن أن تكون التغييرات الإقليمية والدولية بهذا الحجم وتراوح الأمور في لبنان محلها»، يقول أحد النواب العونيين. وفي الصباحات، يكرر العماد ميشال عون، منذ بضعة أيام، الكلام نفسه عن تفاهمات أو شراكات جدية في طور النشوء في البلدان المجاورة، سيُعبّر عنها في سوريا والعراق، وحتى تركيا، بتقاسم عادل للسلطة. يتحدث العونيون، هنا، عن نموذجين للتغيير: يسلك الأول الطريق التشريعي البطيء ويمر بالانتخابات النيابية مع كل ما يسبقها ويليها، فيما يمر الثاني بانقلاب عاجل وسريع. وكل ما يفعله سليمان في هذا السياق هو تسهيل مهمة الحزب والآخرين، كأنه لا ينتبه إلى أن من أوجد «داعش» سبق وأوصله إلى بعبدا، ومن أوجد «داعش»، يدفعها اليوم إلى حافة الهاوية.