ذكرت صحيفة "الأخبار" ان حسابا ظهر على "تويتر" مؤخرا يدّعي نشر "أسرار دولة (أبي بكر) البغدادي"، تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ولفتت الصحيفة الى ان تسلسل المعلومات التي يوردها الموقع، إن صحّت، يوحي بأنّ المسرِّب كان قيادياً سابقاً في صفوف التنظيم، قبل أن ينشق ويلتحق بـ"جبهة النصرة". ويكشف الحساب معلومات عن تأسيس "النصرة" وخفايا الخلافات المحتدمة بينها وبين و"الدولة".
ويُقدّم الموقع الذي أفصح عن نفسه باسم "ويكي بغدادي"، تيمناً بموقع "ويكيليكس"، سرداً تفصيلياً بالأسماء والأدلة والكنى المستعارة وأحداثاً لوقائع مترابطة.
ويقول المسرِّب ان زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي هو ابراهيم عواد ابراهيم بو بدري بن عرموش، وهو يحمل كنيتين، "أبو عواد" و"أبو دعاء". أما "أبو بكر" فكُنية وهمية، باعتبار أن السياسة الأمنية التي يعتمدها وكل من حوله في مجلس قيادة التنظيم تفرض أن لا تكون الكنية أو اللقب حقيقيين. ويكشف أن البغدادي عمِل في الفلوجة، وكان في إحدى الفترات اماماً لمسجد في ديالى. أما لقب "البغدادي"، فهو لقبٌ حركي وليس حقيقياً، كون ابراهيم عواد ليس من بغداد، بل ينتمي إلى عشيرة بوبدري، وهي فرع من عشيرة البوعباس من سامراء، تدّعي صلة نسب بالإمام الحسن بن علي، ما يعني أن "أبو بكر" ينتسب إلى قريش (وهذا إحدى شروط الإمارة العامة لدى الجهاديين). لكن جمعية "تنزيه النسب العلوي" والتحقيق في الأنساب الهاشمية أصدرت بياناً عام 2009 يؤكد أن بوبدري لا ينتسبون لمحمد الجواد ولا للقاسم بن إدريس من الحسنيين كما يزعمون.
وينقل الموقع أنّ مجلس قيادة "داعش" يتألف من عراقيين بنسبة 100%، مشيراً إلى البغدادي أنه لا يقبل أي جنسية أخرى كونه لا يثق بأحد. ويشير الى أن عدد أعضاء المجلس العسكري يزيد وينقص، ويتراوح بين ثمانية و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها ثلاثة ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وهم تحت إمرة عقيد ركن سابق في الجيش العراقي أيضاً يُدعى حجي بكر، انضم إلى "دولة العراق الإسلامية" عندما كانت بقيادة "أبو عمر البغدادي" (قُتل عام 2010) بعدما أعلن "توبته" من حزب البعث (العراقي) وعرض وضع خبرته العسكرية وعلاقاته في خدمة التنظيم. فعيّن مستشاراً عسكرياً لدى "أبو عمر البغدادي" و"أبو حفص المهاجر" بعدما زوّدهما بمعلومات عسكرية عن خطط قتالية وربطهما عبر وسائل الاتصال بقيادات عسكرية سابقة تابعة لحزب البعث. ويذكر المسرِّب أن "أبو بكر البغدادي" لم يكن عضواً في مجلس القيادة السابق لـ"دولة العراق الإسلامية" بإمرة "أبو عمر"، بل كان عضوًا في التنظيم، وكان يقيم في مدينة الفلوجة. ولكن، بعد مقتل "أبو عمر" ونائبه "أبو حمزة المهاجر" (مصري يُدعى عبد المنعم عز الدين بدوي) وعدد من أبرز قيادات التنظيم في غارة واحدة، فجّر حجي بكر مفاجأة في المجلس العسكري بمبايعته "أبو بكر البغدادي" أميراً للتنظيم. فبدأت مرحلة جديدة في حياة "الدولة" في ظل قائدين: "أبو بكر البغدادي" في الواجهة، وحجي بكر في الظل. وقد أثار وجود العقيد الركن وهو "حليق متفرنج" الى جوار "أبو بكر" حساسية في نفوس أعضاء "الدولة"، فبدأ العقيد بإطالة لحيته وتغيير مظهره وطريقة كلامه، علماً أن أي عضو في التنظيم لا يملك أن يستفسر عن أي أمر حول القيادة، لأن "الاستفسار تشكيك والتشكيك شق صف يبيح الدم". بدأت "دولة العراق الاسلامية" التركيز على خطّين، الأول ضمان عدم تصدّع الدولة وحمايتها من الداخل عبر إنشاء مفارز أمنية تُصفّي أي جهة تُشكّل خطراً على الكيان، مع ضمان توفير الموارد المادية. وبالتوازي، اتفق البغدادي وحجي بكر على وقف لقاءات الأول بالقيادات الفرعية للتنظيم، وحصر تلقي تعليمات الأمير وتوجيهاته وأوامره عبر أعضاء مجلس الشورى الذي شكله العقيد. وتمثلت الخطوة الثانية في بناء جهاز أمني لتنفيذ تصفيات واغتيالات سرية تشكّل في البداية من 20 شخصاً، ووصل خلال أشهر إلى 100 شخص، بإمرة ضابط سابق يُدعى "أبو صفوان الرفاعي"، ويتبع مباشرة لقيادة التنظيم. واقتصرت مهمة هذا الجهاز على تصفية من يبدو منه انشقاق او عصيان من رجالات "الدولة" او القادة الميدانيين او القضاة الشرعيين. أما الشق المتعلق بالمورد المادي، فتواصل على ما كان عليه أبّان إمارة "أبو عمر البغدادي"، بمصادرة أموال الشيعة والمسيحيين وغير المسلمين، وعملاء النظام حتى لو كانوا من السنة. والاستيلاء على مصادر النفط ومحطات توليد الطاقة والوقود والمصانع الحكومية واي مصادر مالية حكومية تُعدّ حكماً ملكاً لـ"دولة العراق". أما ما لا يمكن الاستيلاء عليه بالكامل، فيُهدّد مالكه بالقتل أو تفجير الشركة إذا لم يدفع خوّة شهرية تحت مسمّى ضريبة.
اما عن انخراط "الدولة الاسلامية" في سوريا، فيكشف حساب "التويتر" انه بعدما بدأت الثورة السورية، اتجهت أنظار عناصر "دولة العراق الإسلامية" الى سوريا. تخوّف العقيد حجي بكر من تسرب عناصر "دولة العراق" للجهاد في الشام مما قد يسبب تصدّعاً في "الدولة"، ويعطي بعض القيادات والأعضاء الذين يفكّرون في الانشقاق باباً لذلك عبر سوريا. لذلك، حرّم البغدادي الذهاب إلى سوريا، واعتبر كل من يخالف التعليمات منشقاً، مبرراً ذلك بأنّ الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث. في هذه الأثناء، عرض العقيد بكر فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري، وبذلك يحال دون التحاق اي قيادي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق. وبالتالي يتم تأمين عدم انشقاق عراقيين عن "الدولة"، فيما يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تنجح في استقطاب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أُنشئت "جبهة النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني وسرعان ما طار اسمها عالمياً، وباتت قبلة لكثير من "المجاهدين" من الخليج وتونس وليبيا والمغرب والجزائر واوروبا واليمن. أخاف هذا الصعود السريع العقيد بكر والبغدادي، كون الملتحقين الجدد بـ"النصرة" لا يدينون بالولاء لـ"دولة العراق" أو للبغدادي. هنا، حثّ حجي بكر البغدادي على إعطاء أوامره للجولاني بأن يعلن عبر مقطع صوتي أن "جبهة النصرة" تابعة رسمياً لـ"دولة العراق" بقيادة البغدادي. وعد الجولاني بالتفكير في الأمر. لكن أياماً مضت من دون أن يصدر شيئاً، فأرسل البغدادي له توبيخاً وتقريعاً، فجدد الأخير الوعد بالتفكير واستشارة من حوله من مجاهدين وطلاب علم، قبل أن يبعث للبغدادي برسالة مفادها أن هذا الإعلان لا يصب في صالح الثورة، مستنداً إلى رأي مجلس شورى الجبهة. ثارت ثائرة البغدادي والعقيد بكر. وزاد الطين بلة إدراج الولايات المتحدة "جبهة النصرة" في قائمة الإرهاب، ليُصبح الجولاني المطلوب الأول في سوريا، الأمر الذي زاد من منسوب القلق لدى البغدادي والعقيد من منافسة "النصرة" لـ"الدولة". كان أبو محمد الجولاني سياسياً عقلانياً يحاول إمساك العصا من الوسط، لكن خوف العقيد والبغدادي كان أكبر من تطمينات الجولاني مما دعا حجي بكر الى التفكير بخطوات متقدمة لضم "النصرة" الى "الدولة". طلب البغدادي من الجولاني القيام بعمل عسكري ضد قيادات "الجيش الحر" اثناء أحد الاجتماعات في تركيا، مبرراً ذلك بأنه "استهداف لصحوات المستقبل العميلة لأمريكا قبل استفحالهم في الشام". عقد مجلس شورى "النصرة" اجتماعاً ورفض الأمر بالإجماع، فاعتبر البغدادي والعقيد ذلك خروجاً صريحاً عن الطاعة. أرسل البغدادي خطاباً شديد اللهجة يُخيّر الجولاني بين أمرين: تنفيذ الأوامر أو حلّ "النصرة" وتشكيل كيان جديد. طال انتظارهما لرد الجولاني الذي لم يصل. بعث البغدادي رسولًا لمقابلة الجولاني، لكن الأخير اعتذر عن عدم اللقاء. عندها شعر "أمير الدولة" بالخطر كون الجولاني بدأ يخرج عن السيطرة. بعدها، أرسل قيادات عراقية من "الدولة" لمقابلة قيادات "الجبهة" لجس نبضهم حول تحقيق حلم بدولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة. وبالفعل تم تلمّس ميول مؤيدة لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين. لكن "النصرة" سرعان ما زجّت ببعض هؤلاء في السجن بتهمة إشاعة التكفير، وكان بينهم: أبو رتاج السوسي وأبو عمر العبادي (تونسيان) وأبو ضمضم الحسني وأبو الحجاج النواري (مغربيان) وأبو بكر عمر القحطاني (سعودي)، علماً أن الأخير عُيّن في ما بعد أميراً شرعياً لدولة البغدادي، وكان أول المنشقين عندما أعلن البغدادي حل "النصرة".
هكذا عقد البغدادي العزم على إعلان الاندماج. واتّفق مجلس قيادة "الدولة" على ذهابه إلى سوريا لإعطاء زخم أكبر للإعلان. قابل الأمير العراقي القيادات المؤثرة في الجبهة موحياً بأن هدف الإعلان وحدة الصف الجهادي، وأرسل بطلب الجولاني لمقابلته، لكن الأخير اعتذر لدواعٍ أمنية. عندها أرسل البغدادي إلى الجولاني يُعلمه بضرورة إصدار بيان باسمه حرصاً على وحدة الصف يتولى فيه إعلان حل الجبهة والتوحّد في كيان جديد تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ردّ الجولاني معتبراً ذلك خطأ فادحاً سيُمزّق الشعبية التي بنتها "النصرة" بين أهل سوريا. هنا اقترح العقيد بكر على البغدادي إصدار بيان حل "النصرة" باسمه وعدم إصدار بيان بعزل الجولاني لعلّه يعود الى رشده بعد الحل. جرى التواصل مع قيادات "النصرة" لإخطارهم بموعد الإعلان وتهيئتهم لمبايعة البغدادي وجها لوجه كونه سيكون في سوريا. وبذلك، لعب البغدادي على وتر أن الجولاني كان يحتجب عن كبار القياديين والشرعيين في الجبهة. وبالتالي فإن ذلك سيُشكّل جاذباً للمجاهدين الذي سيحظون بفرصة لقاء من هو أكبر منه. انقسمت "النصرة" إلى ثلاثة فرق. التحقت الأولى بالبغدادي واختارت الثانية الجولاني، فيما نأت الثالثة بنفسها. هكذا بدأت حرب التكفير والاتهامات بشق الصف المسلم بين أُخوة الجهاد. هنا ظهر على الساحة ضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان. كان الأخير صلة الوصل بين البغدادي وقيادات "النصرة" التي بايعت لاحقاً البغدادي.
في هذه الأثناء، وصل الى حجي بكر والبغدادي ان الجولاني لن ينصاع لدعوة حل "النصرة" وانه يُحضّر لإصدار بيان برفض ذلك إعلامياً. اقترح العقيد على البغدادي تشكيل فرق أمنية لتنفيذ مهمتين: الأولى، للاستيلاء على جميع مخازن الاسلحة التي في حوزة "الجبهة"، وتصفية كل من يرفض تسليم مخزنه فوراً. وبذلك لا يبقى لدى "النصرة" ذخيرة واسلحة فينفر الناس منها ويتشتتون ويلتحقون بـ"دولة" البغدادي. والمهمة الثانية تتمثّل بترصّد الجولاني لتصفيته وتصفية القيادات التي معه. واتّفق على أن يتم ذلك بواسطة لواصق متفجّرة توضع في أسفل سياراتهم. هكذا استُهدف أبرز قيادات "النصرة"، ومنهم المهاجر القحطاني، الرجل الثاني بعد الجولاني، فقُتل معاوناه أبو حفص النجدي (عمر المحيسني) وابو عمر الجزراوي (عبدالعزيز العثمان). عندها، لجأ الجولاني إلى زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري للبت في النزاع. وللحؤول دون إحراج "القاعدة" استدعى الظواهري شخصيات جهادية من اليمن والسعودية للتوسط بين المتنازعين، إلا أن البغدادي تملّص من مقابلتهم. وزاد ذلك الأمور سوءاً في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد الجولاني. عندها عمد الأخير إلى إصدار بيان يُعلن رفض حل "جبهة النصرة"، واضعاً الأمر في عهدة الظواهري.
ويكشف حساب "ويكي بغدادي" ان خطاب الفصل للشيخ أيمن الظواهري صبّ الزيت فوق نار أزمة البغدادي ــ الجولاني. رفض أمير "الدولة" مشروع الحلّ، بتشجيع من كل من العقيد حجي بكر والقيادي الشرعي السعودي أبو بكر القحطاني. وفي سياق السعي إلى التمكين لتنظيم "الدولة"، اتصل القحطاني بضابط سعودي سابق اسمه بندر الشعلان ليكون ممثلاً تنظيمياً لهم في السعودية وحلقة وصل لتكوين نواة شرعية مؤيدة للبغدادي في الخليج. وبالفعل، تولى الشعلان المهمة آخذاً على عاتقه جمع مؤيدين للبغدادي. فكان أول بشرى أبلغها لـ"الدولة" وجود "شرعيّ" (مفت) مؤيد للبغدادي يدعى ناصر الثقيل، كاشفاً أنه اجتمع معه مرات عدة للعمل على نصرة البغدادي. وتوسّع عمل الشعلان إلى البحرين حيث تواصل مع تركي بنعلي الذي أبدى تأييده ومساندته لمشروع دولة البغدادي. وتكثّفت جهود المندوب السعودي حتى تم تشكيل لجنة شرعية مناصرة لـ"الدولة" تتكون من عدة أشخاص، بعث بأسمائهم كمناصرين للبغدادي وهم: ناصر الثقيل وتركي بنعلي وعليوي الشمري وحمود المطيري وحمدالريس وصالح الحضيف وابوب لال الحربي وعبدالعزيز العمر وعلي الجبالي.