«قررنا تحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي كي نحمي استقلاله ونصون سيادته وسلمه الأهلي (...) وقررنا أن أوان العودة الى الوطن والدولة والشرعية قد حانت ساعتها (...) الشهيد البطل محمد شطح ما كان قبل اغتيالك لن يكون بعده». كاد جمهور قوى 14 آذار يومها أن يحمل رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على الأكتاف عند إلقائه هذا الخطاب باسم قوى 14 آذار خلال تشييع الوزير السابق محمد شطح منذ أسبوعين. ظنوا وقتها أن «ثورة الأرز» اشتعلت من جديد ولا سبيل إلى وقفها سوى بالثأر من «القتلة» و«الجلادين».

لكن لم ينتظر السنيورة طويلاً ليخيّب آمالهم، مرة أخرى. قصد القصر الجمهوري لا للتأكيد على تمسكه وتيار المستقبل بالحكومة الحيادية، ولا لإطلاع رئيس الجمهورية ميشال سليمان على خطته للعودة الى «الدولة والشرعية»، بل لإبلاغه موافقة تيار المستقبل على مشاركة الحكومة مع أصحاب «السلاح غير الشرعي» الذين أراد تحرير لبنان منهم! لاحقاً، لم يجد السنيورة نفسه معنياً بتفسير هذا التناقض، أقلّه لجمهوره، كما لم يجد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مانعاً من مشاركة من «يتهمه» باغتيال والده مرة أخرى.

القاعدة التي التزمت مشروع «ثورة الأرز» منذ نشأته، ها هي اليوم تراقب قادته يتركونها في منتصف الطريق ويعودون مبتسمين لوضع أيديهم بأيدي من أفهموهم لسنوات أنهم الأعداء والقتلة. وبما أن «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» كما نصح أحدهم قادة «حب الحياة» على تويتر، فهم الجمهور الآذاري الصفقة السياسية التي يعقدها فريقه فوق «مبادئه ومسلماته»، فباشر بحملة انتقادات واسعة لـ14 آذار وتيار المستقبل خصوصاً. فمنهم من رأى أن فريقه خذله «بعد أقل من يوماً على استشهاد الدكتور محمد شطح ولا أحد يتحدث عنه، بل الكل يبحث عن مكان في الحكومة ليشرع سرقاته. هل نسيتم دمه؟ من الآخر 14 آذار خذلتنا»، ومنهم من طالب بوقف «التنازلات والتخاذل في حق الجمهور العاشق لوطن ذي سيادة وعدالة والعناوين التي وعدتمونا بها». بدورها، انتفضت قيادات الصف الثاني على ما يجري، وشاركت الجمهور تململه على مواقع التواصل الاجتماعي. فغرّد المنسق العام للأمانة العامة لـ14 آذار فارس سعيد على تويتر قائلاً إنه «من المعترضين بوضوح على دخول آذار الى حكومة شراكة مع حزب الله، إنما السياسة تقضي الاعتراض بالمنطق وليس بالمزايدة. المطلوب مقاومة مدنية». استتبعها بتغريدة ثانية: «الجيل الثاني لثورة الارز يرفض مشاركة آذار مع حزب الله في حكومة واحدة مقاومة مدنية لبنانية. الرجاء نشر الرسالة». أما السياسي في 14 آذار الياس الزغبي، فقد أسدى نصيحة رياضيّة إلى تلك القوى باعتماد أُصول حَلَبَة الملاكمة: «حين يبدأ ملاكم بالترنّح، يسدّد له خصمه لكمات إضافيّة... ولا يُنقذه!!». على المقلب الآخر، اختار النائب السابق مصباح الأحدب عقد مؤتمر صحافي للإفصاح عن مكنونات نفسه، دعا فيه فريقه الى البحث عن «حل يحمي البلد بدلاً من أن تسلموه للوصاية السورية الإيرانية من جديد، مقابل بعض الفتات من حقائب». وأشار الى أن القبول بحكومة جامعة سيؤدي الى «دفع اللبنانيين الثمن مجدداً كما دفعوه في السابق بسبب تنازلاتكم الناتجة من الضعف، وعدم وجود رؤية وإدارة جيدة للوصول الى تحقيق طموحات جماهير قوى ثورة الارز». وحده رئيس حركة التغيير إيلي محفوض ما زال يطمئن أبناء ثورة الأرز إلى أن يناموا مرتاحين، لأن 14 آذار لن تتشارك مع مصطفى بدر الدين في حكومة واحدة. «فلا لزوم إذاً للتشكيك وقيادات 14 لن تخذلكم»... على أمل ألا تلقى تطمينات محفوض مصير مبادرته الإنقاذية.

على المقلب الآخر، حاول رأس حربة تيار المستقبل، الإعلامي فارس خشان، إخراج نفسه من إحراج تشكيل الحكومة، فوجد شعاراً مناسباً للتنصل من «موافقة أصحاب القرار على الجلوس مع القاتل في الحكومة». فكتب مطوّلة تحت عنوان: «لهم حكومتهم ولنا محكمتنا». من جهته، لا يزال حزب القوات يلعب على حبل كلام الوقت الضائع، فلا يقول لجمهوره «لا حق ولا باطل» الى حين جلاء شكل الحكومة وربما «حصته». يصعب على رئيس الحزب سمير جعجع التراجع بعد أن وضع نفسه في مقدمة الحرب على «حزب الله وسلاحه وجرائمه» أمام الحريري والسعودية، كما يصعب عليه عزل نفسه خارج الحكومة. لذلك يترنح ما بين عدم حسم مشاركته في الحكومة، كما جاء على لسان جعجع أمس، أو التعويل على «تغيير على المستوى السياسي في لبنان» كي تغيّر القوات موقفها. مساءً تغيّرت واحدة من أسس القوات التي تطالب بـ«انسحاب الحزب من سوريا» للمشاركة في الحكومة، لتصبح «وضع خريطة للانسحاب من سوريا»، كما صرّح النائب فادي كرم في مقابلة تلفزيونية. ستوضح القوات موقفها طبعاً في الأيام المقبلة.

في المقابل، خصوم فريق 14 آذار لم يرحموه. حال الشماتة تسيطر على خطابهم. يلخص هذا الخطاب السؤال الذي طرحه المستشار الاعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، الزميل فارس الجميّل على صفحته على فايسبوك: «عودونا أن يهدوا كل انتصار أو فوز لروح شهيد، لمن سيهدون تدوير الزوايا هذه المرة؟».