كلّ المؤشرات توحي بأنّ القرار قد اتُّخِذ بتأليف الحكومة "الجامعة"، والتي لا تزال بورصتها ترتفع أكثر فأكثر يومًا بعد آخر..
هكذا، وبين ليلةٍ وضُحاها، باتت كلّ المطبّات التي منعت تشكيل الحكومة على مدى تسعة أشهر ونيّف قابلة للحلّ، وباتت كلّ الشروط والشروط المضادة التي وُضِعت في طريق أيّ مشروع حلّ مجرّد كلامٍ في الهواء، أو حبرٍ جفّ بطبيعة الحال..
اليوم، باتت الأجواء إيجابية، والتقدّم الحاصل سريع، بل إنّ أصعب "المطبّات" الكامنة في البيان الوزاري تُحَلّ ببساطة بالاعتماد على "اللغة الإنشائية"، كما يفاخر المعنيون بالتأليف الذين ذهب بعضهم لحدّ تحديد موعد "الولادة" المنتظرة خلال 48 ساعة، أو نهاية الأسبوع الحالي كحدّ أقصى..
الولادة خلال أيام..
على عكس ما توقع كثيرون، فإنّ بورصة "التفاؤل" بالولادة الحكومية المرتقبة لا تزال ترتفع أكثر فأكثر يومًا بعد آخر، في مقابل تراجع فرص عدم حصولها، بفعل ما يُقال في الكواليس أنّه قرارٌ دوليٌ اتُّخِذ على أعلى المستويات، وتُرجِم سريعًا في الداخل اللبناني "تنازلاتٍ بالجملة" جعلت جماهير فريقي الثامن والرابع عشر من آذار على حدّ سواء تشعر بـ"إحباطٍ" من نوعٍ ما.
اللبنانيون سيكونون على موعد مع حكومة جديدة خلال أيام قليلة، على الرغم من وجود بعض النقاط التي لا تزال عالقة بين فريقي الصراع السياسي. هذا ما أكّدته أوساط رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام لـ"النشرة" خلال الساعات القليلة الماضية، قبل أن تتحدّث مصادر أخرى عن نهاية الأسبوع الجاري كموعدٍ "شبه مؤكّد" لحصول هذه الولادة.
هذه الأجواء التفاؤلية أكّدها من جديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أشار إلى أنّه "بالامكان ان تولد الحكومة في 48 ساعة اذا سارت الامور بالشكل المطلوب وصدقت النوايا"، وإن حرص على القول أنّ ذلك لا يعني عدم وجود مشاكل وعقبات، مشدّدًا على أنّ المطلوب من الجميع العمل من اجل الاسراع في تشكيل الحكومة.
وفي حين تُرجِم "تفاؤل" بري على خط "المصيطبة" أيضًا التي قال البعض أنّها بدأت بتلقي التهاني، خصوصًا مع قول رئيس الحكومة المكلف تمام سلام أنّه متفائل بالتوصّل قريبًا لحل الاشكاليات الحاصلة على بعض التفاصيل باعتبار أنّ "التقدّم الحاصل سريع"، بقيت إشكالية واحدة متعلّقة بمواقف قوى الرابع عشر من آذار، ولا سيما "الكتائب" و"القوات"، وقد لفت في هذا السياق الاتصالان الهاتفيان اللذان أجراهما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بكلّ من رئيس حزب "القوات" سمير جعجع وعضو كتلة "الكتائب" النائب سامي الجميل، في وقت أكد النائب "الكتائبي" فادي الهبر لـ"النشرة" أنّ قوى "14 آذار" ستدخل مجتمعةً إلى الحكومة.
"كتائب عبدالله عزام" تتوعّد..
ووسط انشغال المسؤولية بتهيئة الأجواء الملائمة لولادة الحكومة، بقي الهاجس الأمني مسيطرًا على الساحة الداخلية، في ظلّ الشائعات الكثيرة التي يتداولها اللبنانيون حول سيارات مفخخة من هنا واحتمال حصول هزّةٍ أمنيةٍ جديدة تزامنًا مع انطلاق المحاكمات في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
في غضون ذلك، عادت "كتائب عبدالله عزام" إلى الواجهة مع البيان الذي أصدرته لنعي زعيمها الراحل ماجد الماجد، حيث أعلن أنّ مشروعه سيستمرّ "في ضرب إيران وحزبها واستهدافِ اليهود المعتدين، والدفاع عن أهل السنة والمستضعفين من كلِّ ملة"، على حدّ تعبيرها، وأكدت أنّ الماجد كان في غيبوبة عندما تمّ اعتقاله، موجّهة اتهامًا لـ"حزب الله" بأنه "أزال عنه الأجهزة الطبية التي تجعله يتنفّس فتوفي". وفيما عدّدت "إنجازات" الماجد، وبينها "أعمال كثيرة جهادية وإغاثية ودعوية عظيمة يخفَى أكثرُها لمصالح معتبرة"، أشارت إلى أنّ ما أسمته "غزوة السفارة الإيرانية" في إشارة إلى التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت العام المقبل كانت "ختام أعمال الماجد المباركة".
في غضون ذلك، كشفت معلومات لـ"النشرة" أنّ النيابة العامة العسكرية تسلّمت المدعو ي. م. وهو فلسطيني الجنسية، ويُشتبَه بأنّ له علاقة بتفجير السفارة الإيرانية، في وقت تحدّثت صحيفة "الأخبار" عن توقيف شاب فلسطيني في مخيّم الرشيدية في صور كان ينوي تفجير نفسه في عناصر حاجز الجيش الواقع عند مدخل مخيم الرشيدية، وأشارت إلى أنّ القوى الأمنية والفصائل الفلسطينية توافقت على التكتّم على إحباط محاولة الهجوم الانتحاري في الرشيدية تحسباً لتداعياتها الأمنية والسياسية على سكان المخيمات.
كلمة أخيرة..
يبدو السباق محمومًا بين الأمن والسياسة هذه الأيام، أو بمعنى أدق، يبدو محمومًا بين الدخان الأسود الذي يمكن أن يتصاعد من أيّ اهتزازٍ أمني يمكن أن يحصل في البلد ويخشى منه كثيرون، وبين الدخان الأبيض الذي يمكن أن يتصاعد إيذانًا بولادة حكومةٍ جامعةٍ طال انتظارُها..
وبين وهذا وذاك، يبقى المواطن اللبناني ينتظر أن يستفيق المسؤولون ويلتفتوا بعض الشيء إلى شؤونه وشجونه، وهم المُفترَض بهم تمثيله والسهر على راحته أولاً وأخيرًا!