هو يوم المحكمة الدولية بامتياز، يومٌ بدأ التمهيد له خلال الساعات الماضية بوصفه "يومًا تاريخيًا" تنطلق فيه "عمليًا" المحكمة التي بقيت "نظرية" طيلة تسع سنوات..
بمحاكماتٍ غيابية، ينطلق "قطار" المحكمة خلال الساعات المقبلة، مكرّسةً "الانقسام" الداخلي حولها أكثر فأكثر، إذ يرى فريقٌ من اللبنانيين هذه الانطلاقة بمثابة "انتصارٍ للعدالة" أولاً وأخيرًا، فيما يعتبرها فريق آخر مجرّد "استعراضٍ" لا أكثر ولا أقل، وهو لن يقدّم ولن يؤخّر في نهاية المطاف، طالما أنّ "المتهمين" لا يزالون غائبين عن السمع والبصر.
وإذا كانت انطلاقة المحكمة المُنتظَرة اليوم أعادت رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى الضوء بعد فترة "غربة قسرية" لم يظهر خلالها إلا عبر البيانات المكتوبة، فإنّ البعض يخشى أن تؤدي لـ"فرملة" الجهود المبذولة من أجل تأليف الحكومة، والتي يُقال في الكواليس أنّها يجب أن تُبصر النور بحدود نهاية الأسبوع الجاري، إذا صدقت النوايا!
استعراضٌ أم انتصار؟
"هو يومٌ تاريخي يفتح صفحة جديدة للعدالة في تاريخ لبنان".
قد لا يكون هذا التوصيف "جامعًا" ليوم المحكمة الدولية بين كلّ الفئات، لكنّه على الأقل توصيف رئيس تيار "المستقبل" النائب سعد الحريري لهذا اليوم، الذي تنطلق فيه المحاكمات بقضية اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وسائر الشهداء الذين سقطوا عن طريق الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان خلال السنوات التسع الماضية، ولو اتخذت هذه المحاكمات الشكل "الغيابي"، نظرًا لعدم توافر وجود "المتهمين"، الذين يصرّ "حزب الله" على أنّهم "مظلومون" وهم من "المقاومين الأبطال".
وانطلاقاً من كلّ ذلك، تتّجه كلّ الأنظار خلال الساعات المقبلة إلى لاهاي، مقرّ المحكمة الدولية، التي بدأت تشهد "تظاهرة" لبنانية، وهي التي وصلها عددٌ من الشخصيات في مقدّمهم الحريري إلى جانب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائبين مروان حمادة وسامي الجميل والوزير السابق باسم السبع والنائب السابق غطاس خوري ومدير مكتبه نادر الحريري، إضافة إلى اهالي شهداء جرائم الاغتيالات وضحاياها الذين سيحضرون جلسات بدء المحاكمة.
وفيما يُرجَّح أن تؤجل المحاكمات في انتظار صدور قرار عن غرفة الدرجة الأولى في المحكمة بضم أو عدم ضم ملف المتهم الخامس الذي ألحق بالقضية حسن مرعي، لفت المؤتمر الصحافي الذي عقده محامي الشهود المتضررين من نشر أسمائهم، رشاد سلامة، ودعا فيه إلى إخراج شهاداتهم من ملف القضية، معتبرًا أنّ المدعي العام يعتبر مسؤولاً عن حفظ السرية وتخزين المعلومات التي يجمعها أثناء التحقيقات، مشدّدًا على وجوب عدم استعمال معلومات هؤلاء الشهود من دون الرجوع إليهم.
الحكومة.. مؤجّلة؟
في غضون ذلك، بقي الملف الحكومي في صدارة الاهتمامات الداخلية، ولو اصطدمت الأجواء "التفاؤلية" بمطبّ "البيان الوزاري" الذي لفت الإصرار على البتّ به مُسبَقًا، في ظلّ حرص قوى الرابع عشر من آذار على شطب معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" منه "مهما كان الثمن"، في حين يعتبر البعض أنّ اللغة العربية الإنشائية كفيلة بحلّ كلّ الإشكاليات.
وفي وقتٍ لفتت خلال الساعات الماضية جولة الوزير وائل ابو فاعور على رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف تمّام سلام الذي اجتمع بدوره مع الرئيس ميشال سليمان والتقى الوزير علي حسن خليل، تحدّثت بعض المعلومات عن مراوحة في الاتصالات الخاصة انعكست بعض التعثر مما استدعى من رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط اعادة تنشيط مسعاه الوفاقي، فكانت لموفده الوزير ابو فاعور جولته التي انتهت، وفق صحيفة "النهار"، الى عودة الامور الى "المسار الايجابي بجهد وتفاهم الرؤساء سليمان وسلام وسعد الحريري وبري"، علمًا أنّ الصحيفة نقلت عن أوساط رسمية قولها أنّ حصيلة المشاورات افضت الى ما وصفته بـ"نتائج ايجابية جدا"وهو ما يمكن ان يترجم ولادة الحكومة الجديدة السبت المقبل على الارجح ما لم يطرأ طارئ مهم ليس في الحسبان يبدل الاتجاهات.
وفي سياقٍ متصل، أعلن جنبلاط أنه لن يعطي من الآن موقفا من البيان الوزاري ولا من اعلان بعبدا او القاعدة الثلاثية، وقال: بعد ان تتألف الحكومة تجتمع لجنة وزارية لوضع البيان الوزاري وسيكون فيها مَن يمثلني". وفصل جنبلاط أيضًا بين الحكومة الجديدة وانتخابات رئاسة الجمهورية، متوقعاً ان يؤدي تأليفها الى "انعقاد مجلس النواب مجددا بدلا من مقاطعته، ومن ثم الذهاب الى انتخابات الرئاسة".
كلمة أخيرة..
انفجارٌ في مدينة الهرمل قرب ثكنة للجيش اللبناني..
بهذا الخبر "العاجل"، استفاق اللبنانيون يوم الخميس، ليتأكّد بالنسبة لهم أنّ "الإرهاب" لا يزال يحيط بهم من كلّ حدبٍ وصوب، وأنّ "يد الغدر" ما تزال مصوَّبة نحوهم بكلّ ما أوتيت من قوة..
إزاء ذلك، على السياسيين أن يتّخذوا دون إبطاء الموقف الضروري، بدل التضامن المزيّف والمؤقت، لأنّ الأمور لم تعد تحتمل، ولم يعد من المقبول أن تُعلَّق على "تفصيلٍ" هنا أو "عبارة" هناك..