أُلِّفتْ، لم تؤَلَّف... تؤلِّف ولا تؤلِّفان... تكون جمهورية ورئيس، أو لا تكون، ولا يكون... ما همّ.
المهمّ لبنان... ولبنان أولاً.
كان لبنان ثانياً، فأصبح لبنان الأول، وأيُّ لبنان هو هذا الأول، أول على مَنْ؟ أول بماذا؟ وأوَّل بمَنْ؟
هل هو الأول بما كان عليه منذ خمسة آلاف سنة حضارية؟ أو هو الأول بالميامين الرجالات، وسمو الهامات وشموخ القامات؟ أو بالطبقة السياسية المتوهِّجة، والروح الوطنية المتأججة؟ أو بنبلاء القرن السابع عشر الذين يكرهون الكنيسة ويحبّون أملاكها!
إنّه الأول بالفراغات الدستورية، والإهتزازات الأمنية، والإثارات المذهبية، والإنهيارات الإقتصادية، وشراسة الإنقسامات، وانحلال الأخلاقيات، واستشراء الرشوة، واستفحال الفساد، واستباحة السرقات، ورَوَاجِ التفخيخ وانتشار التفجير، وهو صاحب الرقم القياسي بالإغتيال السياسي.
الزمن عندنا يلعب بالأقدار المصيرية والأعمار البشرية، والمسؤولون عندنا يلعبون بالأرقام الحكومية، وما اتفقوا إلاّ على صيغةٍ من الثماني الثلاث "888" ، تيمّناً بتلك التي تُعْرَفُ بتلّة "الثلاث ثمانات" والتي تقاتلوا حول محاورها العسكرية على مشارف قصر بعبدا، في الحرب التي لا تزال بفضلهم تجرّر أذيالها في البلاد كما في النفوس.
الطبقة السياسية عندنا، تلعب بأرقام الروزنامة الزمنية بين التقويم الغربي الميلادي والتقويم الشرقي الهجري، وتتجاهل أرقام القتلى وعدد الشهداء الذين سقطوا ويسقطون حسب الروزنامة الغربية حيناً، والروزنامة الشرقية أحياناً... شرّقوا وغرَّبوا حتى الإنسحاق، ولا يزال إسم لبنان الوطن الحرّ المستقلّ يتردد على شفاههم الملوَّثة.
الطبقة السياسية عندنا تزوّر التاريخ وتزوّر هوية الوطن، لأنها ولدت بواسطة أنابيب الزور في القوانين الإنتخابية دورة بعد دورة، فهي ليست شرعية لتحرص على الإرث الشرعي، الأرث الحضاري والتاريخي والديمقراطي والإستقلالي.
والمسؤولون في الطبقة السياسية لا يريدون حكومة إلا إذا كانت مغْنَماً إستِئْثارياً لكل منهم، يدوّرون الزوايا حول المداورة الشاملة للحقائب الوزارية، وهم يراوغون، لأن كل حقيبة سجّلوها في الدوائر العقارية على أسمائهم، وهي ملكٌ حصريٌّ للورثة من بعدهم.
ويتكلمون على حكومة جامعة وحكومة شراكة، وبينهم حقول من الألغام وبالشراكة مشركون، ومشركون بالدولة والجمهورية والوطن، "وكلنا للوطن" إلاّ إذا كان الوطن لكلٍّ منهم، أو لكلٍ منهم وطنه، ودولته، وحكومته، وجيشه، ودستوره، وخزينته المالية، حتى إذا مات واصا باشا المتصرف على جبل لبنان، فقد يقوم من بين الأموات حين ترنّ الفلوس على بلاط ضريحه.
خير خدمة تُسْدى للجماعة السياسية عندنا، هي - حتى إشعار آخر - عدم قيام ربيع لبناني ثوري، وإلاّ فقد يُزَجُّ في السجون أولئك الذين يتبارزون اليوم على كراسي السرايات والقصور، وإذ ذاك يعود لبنان الى لبنان، ويعود لبنان مرّة جديدة أوَّلَ الأولين.