أدت موافقة حزب الله وحركة أمل على المشاركة في حكومة جامعة على قاعدة (8+8+8) ، الى احداث نقاشات داخل تيار «المستقبل» و«قوى 14 آذار» حول مدى صحة المشاركة في حكومة سياسية يشارك فيها حزب الله، رغم استمرار دور الحزب في سوريا وعدم تخليه عن سلاح المقاومة.
وقد وافق الرئيس سعد الحريري مبدئياً على هذا العرض، لكن «كتلة المستقبل» طرحت عدة أسئلة وطلبت الاجابة عنها كشرط أساسي للموافقة النهائية، ومنها: هل سيتضمن البيان الوزاري ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة؟ ماذا عن الموقف من اعلان بعبدا؟ هل ستحصل المداورة الشاملة في الحقائب الوزارية؟ هل يحق لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وضع فيتو على أسماء الوزراء المقترحين؟
وقد أجاب الرئيس نبيه بري عن هذه الأسئلة «بأن النقاش والحوار يشمل الجميع ولدى كل الأطراف أسئلة وملاحظات».
لكن يمكن القول ان القرار بتشكيل حكومة جامعة على قاعدة (8+8+8) يتقدم في ظل معلومات عن وجود قرار دولي - إقليمي - لبناني على حماية الاستقرار اللبناني وعدم السماح بحصول تطورات تطيح الوضع السياسي والأمني، ولذا تم التخلي عن القرار بتشكيل حكومة أمر واقع ودعم خيار الحكومة الجامعة بعد تراجع حزب الله و8 آذار عن فكرة حكومة (9+9+6)، وقد أدت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية والفاتيكان وقوى أخرى دوراً أساسياً في الدفاع بهذا الاتجاه، ما أدى إلى موافقة السعودية و«تيار المستقبل» على هذا التوجه رغم اعتراض بعض «قوى 14 آذار» وبعض الشخصيات داخل «تيار المستقبل». وقد حصلت نقاشات مطوَّلة داخل «قوى 14 آذار» بشأن المشاركة في الحكومة الجديدة وأعلن رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عدم موافقته على المشاركة في الحكومة الجامعة، وأبدى النائب سامي الجميّل بعض التحفظات في هذا الإطار، وانطلقت حملات سياسية واعلامية من مؤيدي قوى 14 آذار ضد المشاركة في حكومة تضم حزب الله ما دام الحزب يشارك في القتال في سوريا.
في ضوء هذه النقاشات والمواقف، ما هو مصير التحالفات السياسية في حال تشكيل الحكومة؟ وهل ستنجح هذه الحكومة في تجاوز العقبات التفصيلية التي برزت على صعيد توزيع الحقائب والبيان الوزاري؟
التحالفات السياسية
لقد أدت الموافقة من حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي على تشكيل حكومة سياسية جامعة على قاعدة (8+8+8) الى حصول نقاشات وبلبلة داخل قوى 14 آذار وقوى 8 آذار، وان كان النقاش الأقوى والأكثر صراحة حصل داخل قوى 14 آذار، ما دفع البعض إلى التساؤل عن امكانية نشوء تحالفات سياسية جديدة بعد تشكيل الحكومة، وامكانية العودة للتحالف الرباعي (حركة أمل، حزب الله، تيار المستقبل، الحزب التقدمي الاشتراكي) في ظل اعتراض القوى المسيحية المستقلة والقوات اللبنانية والتيار العوني على تشكيل الحكومة الجديدة.
لكن الأوساط القريبة من الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» أكدت «ان التحالف بين المستقبل والقوات اللبنانية وداخل قوى 14 آذار سيستمر، وان الحريري حريص على مشاركة جعجع وقوى 14 آذار في الحكومة، «وان النقاش سيستمر بشأن تشكيل الحكومة».
وقد عمد جعجع الى رفع الصوت عالياً حول الحكومة الجديدة ومدى قدرتها على الحكم وذلك خلال الاحتفال الذي أقيم في مقر القوات اللبنانية دعماً للمحكمة الدولية.
كذلك أصدرت الشخصيات المسيحية المستقلة بياناً دعت فيه الى تبني تشكيل حكومة حيادية ووضعت عدة ملاحظات تشكيكية على قرار حزب الله المشاركة في حكومة جامعة على قاعدة (8+8+8).
هذه الأجواء والمعطيات تؤكد ان تشكيل الحكومة وتفاصيل البيان الوزاري ستؤدي الى بروز نقاشات موسعة في الأوساط السياسية، وإن كانت بعض الأوساط المطلعة على الساحة المسيحية تؤكد ان الانتقادات والملاحظات التي وجهها الدكتور سمير جعجع والنائبان سامي الجميّل ونديم الجميّل وبعض الشخصيات المسيحية المستقلة حول الحكومة الجديدة، قد تهدف للحصول على مكاسب سياسية وعملية، وان هذه الاعتراضات لن تؤدي إلى منع تشكيل الحكومة، وقد تتراجع هذه الأصوات المعترضة في وقت لاحق.
قدرة الحكومة على النجاح
لكن بغض النظر عن مواقف الأطراف السياسية من الحكومة الجامعة، هل ستستطيع هذه الحكومة تجاوز الخلافات الأساسية، إن على صعيد توزيع الحقائب أو حول البيان الوزاري، أو الموقف من الملفات الأساسية كالأزمة السورية وسلاح المقاومة ودور حزب الله في سوريا والمحكمة الدولية؟
مصادر سياسية مطلعة في قوى 8 آذار تؤكد «ان قرار تشكيل الحكومة الجامعة على قاعدة 8+8+8 يتقدم وان هناك موافقة أساسية من قبل «تيار المستقبل» ورئيس التيار الشيخ سعد الحريري وان النقاش الآن هو حول التفاصيل، وان هناك قراراً دولياً - إقليمياً - لبنانياً على دعم هذه الحكومة، وان الخلاف حول التفاصيل لن يؤدي الى منع تشكيل الحكومة، وان كل القضايا والموضوعات قابلة للنقاش والحوار، سواء حول المداورة في توزيع الحقائب الوزارية وعلى صعيد البيان الوزاري، وانه يمكن الحكومة عندما تتشكل ان تناقش كل التفاصيل ويكون الاتفاق على الصيغة التي ترضي الجميع وانه لا يمكن حسم كل بنود البيان الوزاري قبل تشكيل الحكومة».
وتعتبر هذه المصادر «ان تشكيل الحكومة السياسية الجامعة بمشاركة الأطراف الأساسية وخصوصاً حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار العوني وحزب الكتائب سيسهم في تخفيف أجواء التوتر الداخلي ويلاقي الجهود المبذولة لعقد مؤتمر جنيف-2 والمفاوضات الدولية والإقليمية حول أكثر من ملف حساس».
لكن رغم هذه الأجواء التفاؤلية لدى قوى 8 آذار وخصوصاً حركة أمل وحزب الله ولدى الحزب التقدمي الاشتراكي، فإن تشكيل الحكومة الجديدة لن يتم بسهولة، وإذا تشكلت ستواجه عقبات جدية، وسيكون لهذه الحكومة انعكاسات مهمة على الواقع السياسي الداخلي والخارجي. وعلينا انتظار التفاصيل، لأن «الشيطان يكمن دوماً في التفاصيل» حسب المثل العربي المعروف.