ليس الزمن الحكومي زمن الوزير جبران باسيل. على الأقل هذا ما يقوله فريق عوني. هو زمن النائب آلان عون، إذ إن حكومة «الوحدة الوطنية» تتطلب من لم ينصّب نفسه رأس حربة ضد قوى 14 آذار، ومن حافظ على حدّ أدنى من العلاقات معها. ولا همّ هنا في نوع الحقيبة التي يتولاها الوزير العوني إذا ما طبّقت المداورة في الحقائب السيادية، وما دامت الحكومة المقبلة سياسية ولن تدير الانتخابات النيابية.
في حكومة الـ«ثلاث ثمانات»، يتمثل تكتل التغيير والاصلاح بأربع وزارات، اثنتان منها للتيار الوطني الحر وثالثة لتيار المردة ورابعة لحزب الطاشناق. يفترض أن يتمثل صاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية بوزيرين مارونيين. الا أن تسمية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وفقاً للمقربين منه، مارونياً لتمثيله هو الوزير السابق يوسف سعادة، يجعل من الصعب على العماد ميشال عون تسمية ماروني ثالث وتغييب الطوائف المسيحية الباقية. لذا بات لزاماً أن يسمّي مارونياً واحداً، وأن يعتمد أرثوذكسياً أو كاثوليكياً في الوزارة الأخرى.
أما في ما يتعلّق بالوزير الأرمني، ونظراً الى شكل الحكومة ووظيفتها، فلا يمكن حزب الطاشناق الإبقاء على وزير الصناعة فريج صابونجيان أو وزير الدولة بانوس منجيان. وكما للعونيين والمردة رجالات سياسة ورجالات انتخابات، للطاشناق أيضاً رجالاته. ورجله السياسي في الحكومة المقبلة لن يكون سوى عضو اللجنة المركزية في الحزب الوزير والنائب السابق سيبوه هوفنانيان الذي فاز أخيراً فريقه بأمانة الحزب وعضوية اللجنة المركزية.
بالعودة الى الماروني الأول، يبدي العونيون أهمية لحسن التمثيل السياسي في حكومة ستكون مهمتها سياسية بامتياز. لذلك، يتربع عون في مقدم الأسماء المطروحة، لإلمامه بالملفات السياسية كافة، لا سيما تفاصيل القانون الانتخابي الذي يفترض بالحكومة أن تناقشه. هكذا، يمكن العماد عون أن يصيب عصفورين بحجر: أولاً تمثيل سياسي جدّي وثانياً التعويض على عون «معنوياً»، بعدما بات معلوماً أن باسيل سيترأس قريباً التيار الوطني الحر. ولكن، على المقلب الآخر، بين العونيين من يعتقد بأن باسيل بات وجهاً حتمياً في كل حكومة، ما يجعل من الصعب استبداله، خصوصاً أن الجنرال مقتنع بكفاءته على كافة الأصعدة.
لا تنحصر احتمالات الوزارة الأولى بعون وباسيل، بل تبرز احتمالات أخرى، لا سيما مع تكرار النائبين إبراهيم كنعان وزياد أسود في مجالسهما الخاصة ضرورة تمثيل قضاءيهما وزارياً. ينطلق الأول من أهمية تمثيل المتن الشمالي بوزير جدّي يصارع داخل الحكومة لخدمة الأهالي، بعدما فشل وزير السياحة فادي عبود في المهمة. ويشكو الثاني من تغييب قضاء جزين «المنسي»، مطالباً بوزير يعيده الى الواجهة الانمائية والسياسية. من هنا، قد يعمد عون الى خوض غمار الحكومة بأحدهما، ما داما يمتلكان الصفات المطلوبة للظرف السياسي الراهن، فضلاً عن قدرتهما على إمساك زمام الأمور في قضاءيهما. وما دامت الوزارة الأخرى ستذهب الى «غير ماروني»، يبرز أرثوذكسياً نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، مكافأة على وقوفه الى جانب عون ودعمه مسيحياً وأرثوذكسياً وسياسياً، علماً بأن توزير «صديق» يستفزّ العونيين المتشبّثين بضرورة اعتماد وزراء حزبيين، لا سيما أن تجربة توزير وجوه حليفة سابقاً باءت بالفشل. وبالتالي، تبقى المراهنة هنا على الطائفة الكاثوليكية التي يبرز منها وجهان: وزير العمل سليم جريصاتي ووزير الاتصالات نقولا الصحناوي. يجزم بعض العونيين تفضيل عون لجريصاتي على الصحناوي، لثقافته القانونية الواسعة التي تفوق ثقافة غالبية الوزراء، والتي تجعله قادراً على مناقشة كل المسائل السياسية الطارئة على طاولة مجلس الوزراء، وعدم السماح بإمرار أي قانون أو ملف من دون التدقيق مسبقاً في تفاصيله، وهذا ما لا يتقنه الصحناوي.
ويخسر الصحناوي، نتيجة استبعاده في حال لم تكن الحكومة انتخابية بل سياسية، عامين من العمل الدؤوب مع المرشح زياد عبس لم يترجم شعبياً بعد تأجيل الانتخابات النيابية، الأمر الذي يضع عون في موقف حرج تجاه الرجلين اللذين تحكّما في الأعوام الثلاثة الماضية في مفاصل الأشرفية وبات بإمكانهما مزاحمة قوى 14 آذار على نيابتها. في المقابل، هناك من لا يأسف العونيون على رحيلهم. وداعاً لوزير الثقافة غابي ليون الذي يسجل له إنجازان يتيمان: عرقلة أمور زملائه والمساهمة في هدم بعض المواقع الأثرية بدل حمايتها. ووداعاً ثانية لفادي عبود الذي أعجب العونيون بنجاحه في الصناعة فجاؤوا به الى السياحة. ووداعاً ثالثة لوزير العدل شكيب قرطباوي الذي لم يحقق نجاحاً فعلياً في وزارته. أما الوزير المرديّ فايز غصن، فلا الكورة ستحشد وفاءً له على وقوفه الى جانب أهلها، ولا المردة أيضاً، ولا العونيون بالطبع. وأيضاً وداعاً سليم كرم، فالوزارة الفارغة (وزير دولة) في أيام العز لن تمتلئ في أيام الحكومة الصعبة. وأخيراً، إذا كان جائزاً وداع جبران باسيل، فالأجدى إرفاقها حكماً بـ«الى اللقاء».