فيما كان اللبنانيون يمنّون النفس بولادة الحكومة في عطلة نهاية الأسبوع، بدت التطورات "المفاجئة" وكأنّها أنستهم الحكومة وشجونها، من أزمة النفايات التي تكدّست في أرجاء العاصمة وجبل لبنان إلى الوضع الأمني المتأزّم والذي اشتعل دون سببٍ واضحٍ في عاصمة الشمال طرابلس من جديد..
هكذا، وبعد أن "انتفض" أهالي الناعمة بتأخيرٍ دام سنواتٍ طويلة على الكارثة البيئية والصحية التي يسبّبها لهم مطمرٌ يقول الناشطون أنّه مخالفٌ للحدّ الأدنى من قواعد السلام العامة والذي أنشئ بحالة "طوارئ" لم ينتهِ مفعولُها، وبعد أن قرّرت شركة "سوكلين" عدم جمع النفايات في بيروت وضواحيها بسبب هذا الاعتصام نظرًا إلى أنّ مطمر الناعمة الذي ترمي فيه النفايات أقفِل أمامها، "استنفرت" الدولة لعلاج قضيةٍ مزمنة كانت قد تناستها على مدى سنين، لتجد نفسَها اليوم أمام "أمر واقع" لم يعد السكوت عنه جائزًا..
وعلى خط آخر، اشتعلت محاور مدينة طرابلس في جولةٍ دامية جديدة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وتعدّدت التفسيرات والتأويلات لظروفها وأسبابها، لكنّها، وبحسب المطّلعين، لم تقضِ على الأجواء التفاؤلية بشأن ولادة الحكومة، التي يُرجَّح أن تبصر النور خلال هذا الأسبوع، بعد تذليل "الاعتراضات" هنا وهناك..
أزمة نفايات..
هكذا إذًا، وبعيدًا عن الحكومة وأرقامها وبياناتها، تصدّرت أزمة النفايات الاهتمامات الداخلية خلال عطلة نهاية الأسبوع، خصوصًا أنّ الوضع بدا "كارثيًا" في الكثير من الشوارع والأزقة التي تكدّست فيها النفايات بشكلٍ فاقع، وذلك في نتيجة لـ"انتفاضة" أهالي الناعمة، أو ما عُرف بحملة إغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل المطالبة بإيجاد بديل فوري من المطمر، أو أقله التطبيق الحرفي لعقد الطمر الذي ينصّ على طمر العوادم وليس إدخال جميع أنواع النفايات الى المطمر وبكميات كبيرة، إضافة الى مطالبتها بإقرار رزمة القوانين التي تكفل التعويضات للبلديات وتعفيها من الديون المستحقة لصالح الصندوق البلدي المستقل.
إزاء ذلك، توسّعت الاتصالات على أعلى المستويات خلال الساعات الماضية في محاولةٍ لحلّ هذه المشكلة، وقد لفت في هذا الاطار الاجتماع الذي عُقِد بين رئيس الحكومة المكلف تمام سلام ووفد اتحاد بلديات الغرب الأعلى والشحار وعدد من البلديات المتضررة من مطمر الناعمة والحركة البيئية اللبنانية وناشطين بيئيين، الذين قدّموا له شرحاً وافياً لما يعانونه من آثار صحية لمطمر الناعمة، طارحين جملة إقتراحات. وقد انتهى الاجتماع إلى اتفاق على فتح الطريق لمدة 48 ساعة أمام شاحنات شركة سوكلين على أن تبقى الخيم قائمة أمام مدخل المطمر، وهو ما رفضته الحملة في بادئ الأمر كما أكّدت المسؤولية الإعلامية باسمها راغدة الحلبي لـ"النشرة"، مشدّدة على أنّ الأهالي سيمنعون فتح الطريق، قبل أن يكشف مصدر في سوكلين لـ"النشرة" ليلاً عن "فتح الطريق عند مدخل مطمر الناعمة أمام شاحنات الشركة عند الساعة 12 إلا 20 دقيقة، فيما كان من المفترض فتحها عند حوالي الساعة السابعة مساء".
.. وأمنٌ فالتٌ
ومن أزمة النفايات إلى الجولة الطرابلسية الجديدة، التي لم يُعرَف أسباب نشوبها الدقيقة حتى الآن، وتنوّعت "التفسيرات" التي أعطيت لها بين الثأر لمجزرة الأطفال التي تسببت بها الصواريخ التي أطلقت على عرسال، وبين الثأر للمواطن طالب عاصي (من جبل محسن) الذي قتله مسلحون في القبة مساء الجمعة الماضي، وبين غضب بعض المجموعات المسلحة من مواقف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الإيجابية حيال الشراكة في حكومة جامعة مع "حزب الله".
الثابت الوحيد وسط كلّ ذلك كان أنّ العنف عاد إلى مدينة طرابلس، والدماء عادت لتسيل دون أيّ سبب، في مشهدٍ لم يستطع السياسيون وضع حدّ له طيلة المرحلة الماضية، علمًا أنّ الجيش اللبناني تمكّن على مدار الساعات الـ 48 الماضية من تطويق المواجهات وحال دون اتساع رقعتها بفعل رده الناري العنيف على مصادر النيران، إلا أنّ الاشتباكات عادت لتعنف من جديد خلال الليل، حيث سُجّل سقوط قتيلين وعشرة جرحى في حصيلة أولية لاشتباكاتٍ تبادل خلالها المسلحون في التبانة والجبل القصف بقذائف الهاون، وقد رد الجيش بعنف على مصادر النيران. وأفادت مراسلة "النشرة" أنّ مدارس وجامعات طرابلس كلها مقفلة، كما ان المحال التجارية والاسواق القريبة من محاور القتال مقفلة.
الحكومة هذا الأسبوع!
إلى الملف الحكومي، الذي لم تقضِ التطورات المتسارعة على مختلف الجبهات على أجوائه التفاؤلية، وبقيت "إيجابيات" الأسبوع الماضي التي توّجها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بموقفه الموافق على المشاركة في حكومة إلى جانب "حزب الله"، وهو الموقف الذي وصفه "خصوم" الحريري بـ"الإيجابي الذي يُبنى عليه".
وفي جديد المواقف على هذا الصعيد، لفت إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حديث لـ"النشرة"، أنّه من المفترض أن تبصر الحكومة النور هذا الأسبوع، نافيًا وجود أيّ رابط بين ولادتها ومؤتمر "جنيف 2" المقرّر عقده، بخلاف ما أشاعته بعض المصادر. وتحدّث بري عن اتفاق حول بنية الحكومة يقوم على أساس صيغة 8-8-8 مع المداورة الشاملة وتأجيل البحث بالبيان الوزاري لما بعد التأليف، مع إعطاء كلّ من فريق 8 و14 آذار ثلاثة أيام لتذليل الاعتراضات لدى مكوّنات الفريقَين على هذا الاتفاق.
وفي حين يترقّب الكثيرون ما سيقوله الحريري في مقابلته التلفزيونية مساءً، بقيت المواقف المرحّبة بموقفه الأخير، حيث اعتبره بري موقفًا يستحق التقدير والاحترام، فيما اعتبر رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أنه ايجابي ويفتح آفاقاً وانفراجاً واسعاً في تأليف الحكومة.
كلمة أخيرة..
عملية خطفٍ جديدة شهدتها الساعات الماضية، وكان ضحيتها القسيس رامي حنا القزي، الذي أفاد مراسل "النشرة" في البقاع أنه خُطِف عندما كان متوجهاً إلى منطقة دير الأحمر لإجراء معاملات، حيث فقد الإتصال به لغاية الساعة السادسة من مساء اليوم قبل أن يتلقى شقيقه إتصالا من رقم هاتف سوري قال فيه المتصل: "شقيقك عندنا"، وأُقفل الخط.
عملية الخطف الجديدة هذه، التي تُضاف إلى سابقاتها التي لم يتمّ إنهاء ذيولها لغاية اللحظة، تتطلب ما هو أكثر من الاستنكار والادانة بطبيعة الحال، فهي تتطلب عملاً جادًا لوضع حدّ لهذه الظاهرة المستشرية، والتي لم يعد من الجائز السكوت عنها.
ومن هذه العملية إضافة إلى أزمتي النفايات المكدّسة والأمن الفالت اللتين سيطرتا على الساحة خلال الأيام الماضية، تبقى العبرة واحدة: على من بيده السلطة والمسؤولية أن يتحرّك ويتصرّف، لا أن ينتظر حلول الكارثة لتكون حركته دائمًا "ردّة فعل" لا أكثر ولا أقل!