يعترف الغارقون في مستنقع تأليف الحكومة أنّ المفاوضات للوصول الى توليفة حكومية جامعة ومتوازنة قد بلغت مرحلة تقلّصَ فيها هامش المناورة، وباتت كل الأطراف مُلزمة قول كلمتها الحاسمة في الساعات المقبلة على وقع الاهتزاز الذي ضرب التحالفات ووجود مخاوف من أن يقع البعض ضحية «لعبة كشاتبين». فما هي المؤشرات على ذلك؟
في عزّ المهَل التي طالب بها الأقطاب الذين يديرون اللعبة الحكومية لتسوية الأوضاع الداخلية وترتيب المخارج بما يحفظ الحد الأدنى من التحالفات الداخلية، برزت مؤشرات مقالِب يُدبّرها البعض للبعض الآخر، حتى على مستوى الحلفاء، وفي ما بينهم. ومردّ ذلك أنّ ما فرضَته التفاهمات الإقليمية والدولية على "قادة المحاور" من طرفي النزاع السنّي - الشيعي في البلاد رفعَت الشكوك بين أبناء الصف الواحد بمجرّد تبادل تنازلات لم تكن متوقعة.
وعلى هذه الخلفيّات، تسارعت اللقاءات في الساعات القليلة الماضية على أكثر من مستوى، وبات الجميع أمام مهلة قصيرة ليقولوا الكلمة الفَصل في ولوج جنّة الحكم أم لا. وقد ساهمت في تسريع ولادة الحكومة المواقف المتقدّمة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، فتلقَّفها المعنيون إيجاباً بدينامية فائقة لتأليف الحكومة الجامعة من ضمن المهَل التي حدَّدها رئيس الجمهورية قبل العودة الى تركيبة "حكومة الواقع الحيادية".
وبعدما أنجزت قوى "14 آذار" ترتيب بيتها الداخلي بالحدّ الأدنى، تسارعت المواقف لترتيب البيت الداخلي لقوى "8 آذار"، وجاء تحرّك "حزب الله" بدءاً من السبت الماضي في اتجاه الرابية، لترتيب الوضع بين الحلفاء وحلفاء - الحلفاء في مهلة لا تتعدّى هذا اليوم، كما تعّهد "حزب الله".
وبعدما عُرضت عليه حصيلة المشاورات التي جرت أثناء وجوده في الفاتيكان، طرح العماد ميشال عون أسئلة تتّصِل بالمداورة وطريقة تطبيقها، غامزاً من قناة تسَرّع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في البتّ بها مع الوسيط الإشتراكي وغيره من دون العودة اليه، الأمر الذي دفَعه الى التوجّه نحو رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلّف تمام سلام، تزامناً مع إبدائه عَتباً شديداً على سلام لرفضه الحوار المباشر مع "شركائه المُحتملين الجدد" في الحكومة، كما فعل أسلافه ممَّن كلّفوا تأليف الحكومات الثلاث الأخيرة، الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، فتدخّل الوسطاء مجدداً لفتح باب الحوار بين الرابية والمصيطبة وبعبدا.
من هنا، سجّلت حركة اتصالات سريعة ليل الأحد - الإثنين أثمرَت تحديد موعد عاجل للوزير جبران باسيل في بعبدا تبَلّغه في ساعة متقدمة من الليل على قاعدة ترحيب رئيس الجمهورية به في أيّ وقت، لأنّ المرحلة تقتضي المزيد من الحوار، علماً أنّ المشكلة ليست عند سليمان، فهناك رئيس مكلّف منذ 9 أشهر مهمّته اقتراح تشكيلة حكومية يرفعها الى رئيس الجمهورية لتؤدي المؤسسات دورها.
ولم يوفّر سليمان، الذي رحّب بباسيل، مسعى لترتيب لقاء بين سلام ووزير الطاقة بعد وساطة قادَها بدوره الوسيط الإشتراكي قبل ساعات، فكان أن توجّه باسيل مباشرة من بعبدا الى المصيطبة، ومن هناك عاد الى الرابية حاملاً في جعبته معادلة لم تَتّضِح عناوينها، وهي حركة دفعَت بـ"الخليلين" الى زيارة المصيطبة للاستكشاف وعَرض ما توصَّلت اليه المساعي المبذولة لترتيب البيت الداخلي لقوى "8 آذار"، على أن ينطلق مجدّداً موفد لـ"حزب الله" في اتجاه الرابية لاستكمال مهمته.
وفي المعلومات، أنّ الترتيبات الأخيرة أفضَت الى المباشرة في إنزال الأسماء على الحقائب بدءاً من يوم غد أو بعده، بعدما باتت الأمور تتوقّف على تفاهم "التيار الوطني الحر" وحلفائه والرئيس المكلّف على توزيع الحقائب السيادية التي أضاف اليها "حزب الله" حقيبتَي الطاقة والاتصالات لتوسيع مروحة التفاهم.
وعلى هذه الخلفيات، لا تخُفي المراجع المعنية وجود قطَب مخفية ومشاريع أفخاخ، بعدما نجح الحريري ومعه فريق من "14 آذار" في رَمي الكرة في ملعب "8 آذار"، وسط أجواء توحي بأنّ طرفي النزاع يخشيان الأفخاخ المتبادلة، من دون أن يتنكَّر العارفون لشعور عون بأفخاخ نَصبها له حلفاؤه، تزامناً مع شعور "القوات اللبنانية" باحتمال أن تكون قد وقعت في فخّ مماثِل، فتعدّد الطبّاخون ليشاركوا في طبخة "لعبة كشاتبين" يُتقن الطرفان ممارستها.