يُعَدّ طب الأسنان من أكثر القطاعات الطبية التي تشهد نموا متسارعا، إن لجهة التقنيات التي أُدخلت إلى هذا المجال، أو لجهة التغييرات التي هو قادر على إحداثها لدى المريض. ويُعدّ تقويم الأسنان من أهم متفرعات هذا الطب، حيث خلق ثورة في المجتمعات ومنح أملا جديدا لكل من كان يشكو من عيوب في أسنانه وابتسامته.
ويُعتبر علاج تقويم الأسنان، بحسب ما يشرح طبيب الأسنان راني حويّك لـ"النشرة"، مهمًا لضرورتين إثنتين: طبية، حيث يصحح الوظائف الفموية كالمضغ ويمنع التسوس الذي ينتج عن سوء تنظيف الأسنان بسبب عدم إنتظامها؛ وجمالية، تتعلق بتحسين مظهر الأسنان والإبتسامة، خاصة وأن المجتمع اليوم بات أكثر تطلّبا ولم يعد يتقبّل عدم إنتظام الأسنان كالسابق.
تقويم الأسنان: تعاون بين المريض والطبيب
وإذا كان تقويم الأسنان أمرا مهمّا، فهو لا يكتمل إلا بتعاون المريض مع الطبيب، حيث يجب أن يواظب الأول على تنظيف أسنانه 3 مرات يوميا على الأقل، أو بعد كل وجبة إذا لزم الأمر. وفي هذا السياق، يشدد حويّك على "أهمية التنظيف الدقيق للأسنان وجهاز التقويم، لتفادي ظهور إلتهابات اللثة التي قد تظهر خلال العلاج، والتي تنتج عن سوء تنظيف الأسنان أو عدم إعطاء الوقت الكافي لتنظيفها بشكل صحيح".
وحول تقويم الأسنان، وهل هناك من عمر مناسب للجوء إلى هذا العلاج، يوضح حويّك أن "تقويم الأسنان يكون أحيانا على مرحلتين، الأولى تبدأ خلال وجود اسنان اللبنية وخلال تبديل اسنان، حيث يتم كشف بعض المشاكل التي قد تتفاقم وتزيد مع الوقت والعمل على معالجتها، كمشاكل في الفك ناتجة عن نمو زائد أو ناقص حد الفكين أو عادة "مص اصبع" أو غيرها، وهي مرحلة تسهّل العلاج وتضع النمو على الطريق الصحيح وتمنع تفاقم المشكلة، فيما تأتي المرحلة الثانية تقريبا في سن الثانية عشرة، بعد فقدان اسنان اللبنية"، موضحا أنه "لا يوجد ما يُسمّى بعمر مناسب أو عمر أقصى لتقويم الأسنان، ولكن يُفضّل أن يتم التقويم في سنّ صغيرة حيث يكون العلاج أسرع ويكون تقبّل المريض للأمر أفضل".
ولا ينتهي علاج تقويم الأسنان بإزالة المقوّم، بل هناك مرحلة تلي هذا الأمر، بحسب ما يوضح حويّك لـ"النشرة"، لافتا إلى أن "الطبيب يلجأ إلى تثبيت اسنان عبر ما يُعرف بالمبثت الدائم أو الـ"fixed retainer" الذي يوضع في الجهة الخلفية للأسنان، وذلك لتثبيتها في مكانها الجديد، وتفادي تحرّكها بعد إنتهاء العلاج، فيما يبقى على المريض أن يضع المثبت المتحرك أو ما يُعرف بالـ"removable retainer" ليلا للمحافظة على شكل الأسنان وتثبيتها، وهي توضع في الليل خلال النوم فقط، لفترة لا تقل عن سنة بعد نزع تقويم الأسنان، خاصة أنه لا يمكن ضمان عدم تحرّك الأسنان مجددا مع مرور الوقت".
وبالنسبة للمثبتات الدائمة، ينصح حويّك بـ"المحافظة عليها والتزام بالمراجعات بعد إنتهاء العلاج"، قائلا: "تبقى النتيجة الجيدة للعلاج، وبالتالي العضة الصحيحة، الضامن اكبر لثبات الحالة مع الوقت".
وبما أنّ تقويم الأسنان يرتبط مباشرة بالأمور الجمالية، فإن المرضى اليوم لا يتقبّلون كالسابق الأجهزة التي توضع حول الرأس وتتصل بمقوم الأسنان في فمهم. وفي هذا السياق، يقول حويّك: "هذه التقنيات تراجعت اليوم بنسبة كبيرة، ولكنها لا زالت موجودة ولا يزال الأطباء يلجأون إليها، وهي تُستخدم عندما تكون المشاكل متعلّقة بالفكّين، كبروز الفك العلوي أو السفلي أو تراجع أحدهما".
هل من علاقة بين إعوجاج الأسنان وأوجاع الفكّين والرأس؟
وفي سياق آخر، وعن مدى إرتباط إعوجاج الأسنان بأوجاع الفكّ والرأس، يوضح حويّك أن "المشكلة قد تبدأ بعيوب بـ"العضّة" أو إطباق الاسنان، ثمّ ينسحب الوجع على الفك فالرأس، ولكن ليس هناك إرتباط دائم أو أكيد بين أوجاع الرأس والحنك والأسنان".
وحول علاج الفكّين وفوائده في ما يتعلق بأوجاع الرأس، يوضح الطبيب راني حويّك أنه "يفضّل في هذه الحالات عدم اللجوء إلى تقويم الأسنان فورا، بل معالجة المشكلة عبر ما يُعرف بالـ"Gouttière"، حيث يكون العلاج لمدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر ليتبيّن بعدها إذا كان الوجع ناجماً من خلل في "العضّة" أو غير ذلك".
وإذا كان تقويم الأسنان من أهم التقنيات التي دخلت مجال طب الأسنان، فإن المرضى يبحثون دائما عن تقنيات تبعد عنهم أي وجع قد يجلبه لهم تقويم الأسنان، خاصّة أن كلّ من سألتهم "النشرة" عن تجربتهم بتقويم الأسنان أجمعوا جميعاً على القول أنها "تجربة مؤلمة ولكن تستحقّ أن يخوضها كل شخص نظراً لإيجابية النتيجة النهائية للعلاج".
وبحسب ما يؤكّد حويّك، "فهناك تقنية جديدة بدأ أطباء الأسنان بإستخدامها في لبنان، وهي لا تعتمد التقويم عبر الطرق التقليدية عبر وضع مقوّم للأسنان مصنوع من حديد، بل عبر دراسة ثلاثية الأبعاد للأسنان تتم خارج لبنان حيث يتم خلق صورة عبر الكومبيوتر عن أسنان المريض ليتم بعدها صنع مجموعة من الـ"aligners"، يضع المريض كل واحدة منها مدة أسبوعين ولا تُزال إلا في وقت الأكل، بغية الوصول إلى الهدف المنشود في خطة العلاج، والتي تمتد من بضعة أشهر إلى أكثر من سنة حسب صعوبة الحالة".
التكلفة الباهظة قد تكون عائقا أمام تقويم الأسنان
وإذا كان "تجميل" الأسنان وتحسين الإبتسامة هدفين أساسيّين لكلّ من يلجأ لتقويم أسنانه، فإنّ التكلفة المالية التي يعتبرها البعض باهظة لهكذا علاج، قد تكون عائقا أمام قرارهم المضيّ في هذا العلاج. وبالنسبة للطبيب راني حويّك، فإن "تكلفة تقويم الأسنان غير مرتفعة في لبنان وهي لا تزال مقبولة جدا نسبة إلى الدول الأخرى"، مشددا على أن "تكلفة علاج التقويم لم ترتفع أو تتغير خلال السنوات السابقة وما يدفعه المريض هو تكلفة مدة العلاج الطويلة التي هي بمعدل سنتين، ووقت الطبيب وخبرته، حيث يمضي سنوات طويلة من حياته للتّعمّق بالإختصاص وإكتساب خبرة واسعة في المجال".
ويشدد حويّك في حديثه لـ"النشرة" على "ضرورة اللجوء دوما إلى الأخصائيين في مجال تقويم الأسنان وليس إلى أطباء الأسنان العاديين"، موضحا أن "نسبة الأخطاء في هذه المهنة، كغيرها من المهن الأخرى، موجودة ولكن الوصول إلى تشويه في الأسنان أمرٌ مُستبعَد مع العلم أنّ إمكانية عدم رضى المريض عن نتيجة العلاج واردة".
علاقة المجتمع مع طب الأسنان علاقة تبادل وتفاعل، فكلّما كان المجتمع أكثر تطلّبا كلّما كان طب الأسنان أكثر معطاءً، والعكس صحيح، إذ إن التقنيات الجديدة التي تدخل هذا المجال تجتاح حكماً المجتمع وتفرض نفسها عليه. ولعلّ طبّ الأسنان من المجالات القليلة التي يجوز فيها القول أنه على الإنسان مجاراتها، لأن الثورة التي يخلقها تؤدي حتماً للتغيير المنشود إلا في حالات نادرة جداً.