في بلاد العالم الغرْبي تعمير وتنوير...
وفي بلاد العالم العرَبي تدمير وتكفير...
العالم الغربي في تسابق متطوّر مع القرن الواحد والعشرين...
والعالم العربي في تسابق متقهقر مع ذوات القرون الى مجاهل القرون الوسطى...
العالم المتحضر يجنِّد تجارِبَ العلم لإطالة عمر الإنسان...
والعالم المتخلف يجنّد كل طاقاته لقصف الأعمار البشرية ابتداء من تكوين الأجنّة في بطون الأمهات، ومَنْ لمْ يمُتْ بالسيف، مات بفعل ارتفاع ضغط الدم وتضخّم الهمّ فإذا مفارقة الحياة الدنيا تصبح أشبه بالموت الرحيم.
لا نخال فلاسفة هذا العصر وعلماء النفس والفقهاء وأساتذة الإجتماع، يمكن أن يتوصلوا الى تفسير عقلي لهذا الذي يجري في العالم العربي، حيث اختلط العقل بالجنون، واختلطت الحياة بالموت، والسياسة بالقتل، والثورة بالإرهاب، والحرية بالعبودية، والإيمان بالكفر، حتى إن أثواب القديسين والخلفاء أصبحت هي الأخرى ملطَّخة بالفساد والدم: "... وإذْ قال ربُّك للملائكة إني جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أتَجْعَلُ فيها من يُفْسِد فيها ويَسْفِكُ الدماء... قال إني أعلَمُ ما لا تعلمون"... (سورة البقرة - 30).
مع هذه المجازر الفاحشة التي تُغْرق الجثث بالبحر الأحمر، ومع هذا الإفتراس الوحشي للنفوس وحصاد الرؤوس بالفؤوس، سقطت كل الأهداف النبيلة للجهاد الثوري، وسقطت كل المعاني السامية للشهادة، وسقط الشعار التقليدي القائل: "ماتوا لنحيا" تحت همجية الشعار العكسي: "ماتوا لنموت".
عندما يقف العالم بكل مؤسساته الدولية والإنسانية متفرجاً أمام المهرجانات اليومية لمراسم الدفن البشري، فقد يصبح كلُّ حكام العالم وحكوماته، وكل السياسيين والمسؤولين الدوليين كأنهم قَتَلةٌ أيضاً سواء كانوا مشاركين في القتل، أو مساهمين في الدعم، أو عاجزين عن الحسم، أو متواطئين أو متفرجين، ويصبح كلُّ حاكم عربي قاتلاً، وكل مواطن عربي قاتلاً ومقتولاً، ويصبح المقاتل مجرماً، والثائر إرهابيّاً، والمؤمن كافراً، ويصبح هدر الدم البريء محللاً ومستباحاً باسم ربك الرحمن الرحيم.
لعل المجتمعات الدولية قد تأثَّرت بالنظرية الفلسفية التي ترى تبريراً للشر على أنه يحمل قدراً من الخير، ولعل العالم الذي لمْ يجد وسيلة للحدّ من التضخم السكاني إلاّ حبوب منع الحمل، راح يستعيض اليوم من عقاقير الصيدليات بالآلة العربية، ويستعيض من حبوب منع الحمل بحبوب منع الحياة، وهذا يتلاقى مع نظرية العالم الإقتصادي مالتوس Malthus الذي رأى في القرن السابع عشر "أنَّ سكان العالم يتضاعفون أكثر من تضاعف الغذاء فأرسلَتْ إليهم الطبيعة الكوارث لكي يتوازن هذا مع ذاك..."
ويصدف دائماً أن يكون التوازن الكوني على حساب العرب، بسبب فقدان التوازن العقلي، وهو التوازن الذي عبّر عنه الأديب الفرنسي "ألبير كامو" بأن هناك أحدى وسيلتين للخلاص: وهما الثورة أو الإنتحار، ولأن الثورة في التوازن العربي لن تؤدي الى الخلاص، فَلمْ يبْقَ إلا الإنتحار... والعَوض بسلامتكم.