يعرض هذا المقال باقتضاب رأيين داخل قوى 14 آذار من المشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام العتيدة، يجمع بينهما تأكيد جميع الخائضين في غمار المناقشات بين الحلفاء احترام الرأي المغاير وأن وحدة التحالف لن تمس. تبقى فوق اختلافات في وجهات النظر حيال استحقاق عابر.
الرأي المخالف:
- يهمنا جداً أياً تكن الظروف ألا يضعف الرئيس سعد الحريري أو "تيار المستقبل". ضعفه ضعف لنا ولقضية لبنان. البديل هو تطرف مذهبي نرفضه من أي جهة كان. سنظل ممسكين بأيدي بعضنا وسط العاصفة، نغرق معاً أو ننجو معاً.
في الواقع أدهشتنا سرعة الرئيس الحريري في الإعلان أمام مقر المحكمة الدولية موقفه المؤيد للمشاركة في الحكومة بعيد تلاوة القرار الإتهامي في جريمة اغتيال والده الرئيس الشهيد واعتباره "حزب الله" حزباً سياسياً. كلا هذا الحزب ليس سياسياً ولا جناح عسكرياً وآخر سياسياً فيه. علينا أن نصدق أمينه العام السيد حسن نصرالله عندما يؤكد ذلك .
ثم إن خطوة الرئيس الحريري التصالحية ذكرتنا برفعه فجأة غداة انتصار تحالف 14 آذار في انتخابات 2009 شعار أننا "جميعاً تحت سماء لبنان الزرقاء". كلا في اعتبارنا "حزب الله" لبناني بالهوية. الواقع إنه إيراني في العقيدة والسلوك والمشروع السياسي ويشكل جزءاً من القرار الإيراني. لا تفرض عليه طهران سياساته وقراراته. هو يشارك في القرار الذي يخدم إيران ويخدم مصالحها في هذه البقعة من العالم، أكان بالمشاركة في المعارك العسكرية الدائرة في سوريا، أم بالقيام بأي عملية أو خطوة في العالم ولبنان.
لم نتنبه في 2005، بالأحرى لم نكن ندرك أن "حزب الله" عصي على الإستيعاب وحصره في مصالح لبنان. جلسنا معه سنوات طويلة حول طاولات مجالس الوزراء وطاولات الحوار ولم يتوقف قتل شخصيات قوى 14 آذار ولا غيّر قيد أنملة في سلوكه. سياساته تتجاوز لبنان دوماً. يعود ذلك إلى حد كبير إلى طبيعة تكوينه. نتحدث عن منظمة عسكرية – أمنية تتعامل مع غيرها على أساس موازين القوى ولا تعير المواثيق الأدبية والحركة السياسية وحتى قوانين الدولة أي أهمية. يمكنه بسهولة بعد أن يوافق على "إعلان بعبدا" إرسال قواته لتقاتل في بلد آخر ويقول لمن يذكرونه بالإتفاق إنه لم يوافق عليه و"روحوا اغلوه واشربوا زومه". هل ضروري التذكير هنا بطريقته الفظة في تمزيق "اتفاق الدوحة"؟
هذا كان القصد من دعوة قوى 14 آذار اللبنانيين إلى "المقاومة المدنية" السلمية لتحرير لبنان من هيمنة السلاح غير الشرعي، وصولاً إلى تحريره على غرار ما حرّر اللبنانيون بلادهم من وصاية النظام السوري ووجوده العسكري والاستخباراتي الثقيل على أرضه. ويا للأسف لا نرى بديلاً من هذه المقاومة.
لن تستطيع الحكومة الجامعة تحسين الوضع الإقتصادي ولا وقف التفجيرات والمشكلات الأمنية المتنقلة في لبنان. السبب أن "حزب الله" لن يسحب قواته من سوريا ومشاركته في القتال هناك تزيد المجانين جنوناً وتوسع أعدادهم. ونعرف ويعرف الجميع أن تنازله عن معادلة 9-9-6 إلى 8-8-8 هو تنازل شكلي. وعند القرارات المفصلية ستصل أصواته في مجلس الوزراء إلى ما لا يقل عن 14. لماذا نشارك ونعطيه براءة ذمة ؟
الرأي المؤيد للمشاركة:
- تصرف الرئيس الحريري كرجل دولة مسؤول خفف الاحتقان في النفوس بعد صدور القرار الإتهامي وأعطى أملاً ملموساً للمواطنين هم في أمس الحاجة إليه .
في البدء كانت قوى 14 آذار أول من اقترح معادلة 8-8-8 وكان "حزب الله" يرفض ثم فجأة أعلن قبوله بها . الشعب بكل تلويناته يريد حكومة جديدة بعدما تلوّع من الأوضاع الأمنية والإقتصادية . لا تقدر أن تقول له نحن نرفض ونعرقل في حين لا بديل عملياً نقدمه إلى الناس.
الحكومة الحيادية؟ بعد موعد تلو موعد لم نعد نعتقد بأنها سترى النور. ربما كانت هناك ملامح نية للسير بها لكن هذه الملامح انتفت بعد أول تفجير في حارة حريك. البديل من الحكومة الجامعة هو استمرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة. وجميعنا نتطلع، نحن وقوى 8 آذار إلى اليوم الذي سيلي انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في حال لم يُنتخب خلف له ومن سيدير البلاد. لا شيء يضمن حتى اليوم انتخاب رئيس جديد، فهل الأفضل أن نترك لهم حكومة مستقيلة تأخذ صلاحيات رئاسة الجمهورية ومعهم رئاسة مجلس النواب؟
المشاركة في الحكومة لا تمنع اتفاق قوى 14 آذار على استراتيجية وتكتيكات ممكنة والسير في تطبيقها. ولكن نفهم الحلفاء تماماً ونحن معهم مع ملاحظة ان لا اهتمام دولياً بلبنان كما في 2005. ولا يخسر "تيار المستقبل" إذا ربح حلفاؤه "القوات" وغيرهم. وندرك تماماً أن مسار الأمن والإقتصاد لا علاقة له بتأليف الحكومة.
في البيان الوزاري لا يمكن في أي شكل أن نقبل بمساومة أو تسوية على ثلاثة أمور: تسليم المتهمين المطلوبين من المحكمة الدولية، إلتزام "إعلان بعبدا"، وحذف ثلاثية "شعب وجيش ومقاومة". متنبهون هنا إلى مشاريع حذلقات لغوية تتحضر مثل "حق لبنان - هكذا في المطلق - في الدفاع بكل الوسائل عن أرضه ضد الاعتداءات الإسرائيلية"، او "لبنان بجيشه ومقاومة الشعب اللبناني". في أسوأ الأحوال لا تصل الحكومة إلى جلسات الثقة وتستقيل.
ولن نكون جالسين معهم في الحكومة بل في مواجهتهم، ولا أوهام عندنا. نعرف أن المحكمة والتطورات في سوريا، لاسيما مع قبول النظام بمقررات "جنيف 1"، والمفاوضات الإيرانية الأميركية تنعكس سلباً على حليف إيران والنظام السوري في لبنان، وتحتم عليه البحث عن ضمانات لدى اللبنانيين الآخرين. واجبنا تذكيره دوماً بضرورة العودة إلى لبنان، ولكن على قاعدة الشراكة والنصوص المرجعية وشروط قيام الدولة. ونحن لها.