هو الجو الرمادي الملبّد عاد ليسيطر على الملف الحكومي اللبناني، بعد أيام سادت فيها الأجواء التفاؤلية الوردية، لدرجة شعر البعض أنّ الحكومة باتت جاهزة ولا ينقصها سوى التوقيع الرئاسي ليجعلها نافذة..
كلّ التوقعات المفرطة في التفاؤل بولادة الحكومة خلال الأسبوع الماضي لم تُصِب، بل إنّ الأمور عادت فجأة إلى المربّع الأول، وعاد معها الحديث عن "عقباتٍ" بالجملة تعترض "الخاتمة السعيدة" التي تأمّلها كثيرون، وهي لا تقف على الأرجح عند قضية المداورة المثارة علنًا، بين إصرار البعض عليها واعتبارها من البعض الآخر استهدافًا سياسيًا فاضحًا له..
وليزيد الطين بلة، عادت ورقة "الحكومة الحيادية" لتطلّ برأسها من جديد، وكأنّها سلاحٌ ضاغط لا بدّ منه بين الفينة والأخرى، وسط الحديث عن "مهلة" قد لا تتجاوز نهاية الأسبوع الجاري، قبل فرض حكومة "أمر واقع" لا يبدو واضحًا بعد ما إذا كانت ستتخذ شكل "الحيادية" أو "السياسية"..
بين "التيار" وسلام..
هكذا إذًا، لم تحمل عطلة نهاية الأسبوع الولادة الميمونة والمنتظرة للحكومة السلامية، بل إنها لم تحمل أيّ جديدٍ يُذكَر في هذا السياق، بحيث بقي معظم الأفرقاء على مواقفهم من الحكومة، ولا سيما العلنية منها.
وفي هذا السياق، حرص "التيار الوطني الحر" على توضيح وجهة نظره من المداورة التي يرى فيها مبدأ حق يُراد به باطل، أو بالأحرى يُراد به استهداف "التيار" ووزرائه، وفي مقدّمهم وزير الطاقة جبران باسيل، الذي شنّ هجومًا على رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، معتبرًا أنّ الأخير "ليس حاكماً بأمره في التأليف، ولا يفرض أو يهدد بأمر واقع"، وسأل: "كيف يفرّط إبن صائب سلام ورئيس جمهورية لبنان اليوم بالمسيحيين من خلال حكومة أمر واقع؟" ووصف حقيبة النفط بأنها "ضمانة جديدة للمسيحيين"، محذراً من دفعهم منقسمين أو موحدين الى "مشاريع غير ميثاقية نرفضها وما زلنا نعمل لمواجهتها".
في المقابل، نقل زوار سلام عنه قوله أنّه "لم يعد من مجال للانتظار طويلاً لأننا أمام استحقاقات كبرى أبرزها انتخاب رئيس جمهورية جديد لقطع الطريق على إقحام البلد في فراغ قاتل"، مشدّدًا على أنّ "تأليف الحكومة ليس نزوة أو هواية أو فشة خلق، فهناك حاجة ماسة إليها لإنقاذ البلد وإراحته من المشكلات التي يواجهها"، مشددا على أن "من يبقى على موقفه المتصلب عليه أن يتحمل مسؤولية موقفه".
ميثاقية وحيادية..
وفيما جدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري القول أنّه "عمل ما عليه" في الموضوع الحكومي لتسهيل التأليف، وأنه ينتظر الآخرين، لافتًا إلى أنّ الاتصالات والمساعي مستمرّة ولا شيء جديداً عنده ليقوله في هذا المجال، برز موقفٌ "تصعيدي" لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لوّح فيه بورقة الحكومة الحيادية، حيث أوضح أنّ رئيس الحكومة المكلف ينتظر جوابًا رسميًا من قوى الثامن من آذار إزاء تشكيل الحكومة، وقال: "إذا جاءت الأجوبة ايجابية تسلك الأمور على نحو طبيعي، أما اذا جاءت سلبية فأنا لا أحبّذ تحديد مواعيد، لكنني أؤكد أننا سنسارع الى تشكيل حكومة حيادية، فلم يعد هناك مجال للانتظار".
وسط ذلك، عاد أيضًا مصطلح "الميثاقية" إلى التداول مع ما يُقال عن إمكانية استقالة "التيار الوطني الحر" من الحكومة في حال عدم تلبية مطالبه، ورفض حزب "القوات اللبنانية" أصلاً المشاركة فيها، وما يُقال عن إمكان انضمام حزب "الكتائب اللبنانية" إليهما. وفي هذا الإطار، لفت موقفٌ للنائب البطريركي العام المطران بولس صياح الذي شدّد على أنّ "أيّ حكومة تؤلّف من دون المسيحيين الذين يشكّلون مكوّناً أساسياً في المجتمع هي غير ميثاقية"، مشيرًا إلى أنّ "بكركي ستعلن موقفاً واضحاً من هذا الأمر إذا حصل"، موضحًا أنّ "بكركي تطلب من الأحزاب المسيحيّة التفاهم فيما بينها لمنع تهميشها والاتفاق على النقاط الأساسية لكي يكون لهم الدور الفاعل والمؤثر".
ضغوط لإطلاق موقوف؟
أمنيًا، استوقف المتابعين التحرّك "المريب" الذي قام به "علماء مسلمون" ومشايخ أمام وزارة الدفاع للمطالبة بإطلاق سراح الشيخ عمر الأطرش الذي تمّ توقيفه قبل يومين، وسُرّبت اعترافاتٌ خطيرة له بضلوعه في تجنيد انتحاريين وتجهيز سيارات مفخخة وما إلى ذلك.
لكنّ لمشايخ أزهر البقاع رأيًا آخر على ما يبدو، إذ عقدوا اجتماعاً رأسه المفتي الشيخ خليل الميس، وحضره رئيس "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ عدنان إمامة ومفتي بعلبك الشيخ أيمن بكر الرفاعي وعدد من مشايخ "الجماعة الإسلامية" و"حركة مسلمون بلا حدود"، وذلك للمطالبة بإطلاق سراح الأطرش، كما دانوا "الاعتقالات التعسفية التي طاولت الكثير من أبنائنا وإخواننا ولا سيما اعتقال الأطرش"، واستهجنوا "أعمال القتل والتصفية التي تستهدف العاملين في الساحة الإسلامية وخدمة النازحين والجرحى السوريين".
ولعلّ الأخطر من كلّ ما سبق هو الهجوم الذي شنّه المشايخ على الجيش اللبناني أثناء اعتصامهم أمام مقرّ وزارة الدفاع، حيث سأل المتحدّث باسم الوفد عمّا إذا كان الجيش يتصرّف "كجيش أو كعصابة"، في وقتٍ لفت كذلك تشكيل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني "لجنة برئاسة المدير العام للأوقاف الإسلامية لمتابعة حالات توقيف بعض العلماء والموقوفين بطريقة تعسفية على اعتبار أنّ واجب دار الفتوى، وهي المرجعية الدينية الرسمية للعلماء والمسلمين في لبنان، أن تسعى لتخليص المظلوم وعدم التستر وتغطية من ثبتت إدانته".
كلمة أخيرة..
لم يعد الملف الحكومي يستهوي اللبنانيين هذه الأيام، وسط "المهازل" المتكرّرة على صعيده..
فبين الأجواء التفاؤلية التي تسود فجأة قبل أن تطيح بها الأجواء التشاؤمية بالطريقة المفاجئة نفسها ومن دون سابق إنذار، يشعر الكثيرون أنّهم يشاهدون "مسرحية سخيفة" بات من اللازم وضع حدّ لها، لأنّ البلاد لم تعد تحتمل المزيد من هذه المماطلة والمراوغة التي لم تعد تُجدي..