لم تعد مساحات التطرف مضبوطة ضمن حدود معيّنة. يتمدد الإرهاب مع توسع المجموعات "الأصولية" التي باتت تشكل خطراً على الأمن العالمي. القلق يزداد في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية. تُرصد الهواجس في التحقيقات الإعلامية وتحرك أجهزة الإستخبارات الغربية في المدّة الأخيرة خصوصاً تجاه سوريا. في الأسابيع الماضية، أبلغت دمشق الموفدين الأمنيين الأوروبيين أنها لن تقدم المزيد من المعلومات حول المتطرفين القادمين من دول أوروبية إلا عبر سفارات بلادهم في سوريا. كانت السلطات السورية تهدف من خلال ذلك إلى ممارسة ضغوط على الغرب لإعادة فتح السفارات في دمشق. تدرك سوريا هنا أن الدول الاوروبية بأشد الحاجة للحصول على المعلومات حول المتطرفين الأوروبيين الذين يقاتلون في سوريا.
صار الغرب يدرك أنّ الخطر بات لا يقتصر على وجود مقاتلين متطرفين سيعودون يوماً إلى بلادهم، بل يتعدى الامر الى حدود تنظيمات باتت تمول نفسها، ولم تعد بحاجة الى دول تموّلها وتوجهها. آلاف براميل النفط في سوريا باتت تصبّ عائداتها في خزائن تنظيم "القاعدة". إنّ هذه التجربة في سوريا ستشجّع المجموعات نفسها على السعي للسيطرة على حقول نفط أخرى في العراق وصولا الى دول الخليج. تبدو حقول الخليج النفطية في عين "القاعدة". من يشهد على حدة القتال بين المسلحين انفسهم في الشرق والشمال السوري يدرك اهمية الآبار النفطية بالنسبة الى المجموعات المتطرفة. انها تغنيها عن اي تمويل او ارتباط. لقد باتت تنظم نفسها كدول قائمة وتوزع العائدات المالية على أطرافها وتمول أعمالا إرهابية في كل العالم تحت عناوين اسلامية.
لم تعد أي مساحة في المنطقة بعيدة عن قدرة المتطرفين في الوصول إليها، ما يجري من سوريا الى العراق و مصر وليبيا يوحي بأن التدرج يمتد الى مساحات أخرى. هنا يستعيد المتابعون ما حصل في أفغانستان يوم دعمت واشنطن "المجاهدين" ضد الاتحاد السوفياتي، فإنقلب"المجاهدون" على الأميركيين لاحقاً. فهل تتكرر التجربة في دول الخليج؟
تشهد المملكة العربية السعودية إزدياداً في حالات القلق جراء تمدد فكر "القاعدة". باتت الأمهات يخفن على أبنائهنّ من "وحوش" يغسلون عقول المراهقين ويزرعون فيهم الحقد الى حد إرسالهم للانتحار تحت عنوان "الجهاد". في الايام الماضية خرجت الأصوات الى العلن تعبّر عن الهواجس: من يردع المتطرفين عن خطف أبنائنا؟
تبدّلت الأولويات في المنطقة. صار الهم الاساسي ايجاد الامن. في سوريا ممارسة لكل أنواع القتل والفحشاء بإسم الجهاد، وفي العراق تحريض على هدر الدماء بالتزامن مع المجازر الجماعية التي يرتكبها انتحاريون، وفي ليبيا صراع مفتوح ركيزته التطرف نفسه، وفي مصر نزاع على مساحة الجمهورية و جعل سيناء مكاناً للمتطرفين، وفي لبنان امتداد للصراع الموجود في سوريا.
الخطر الداهم الى لبنان لن يبقى ضمن حدود جولات طرابلس ولا مسلسل التفجيرات التي تطال الضاحية الجنوبية لبيروت. ان صراع "داعش" و "جبهة النصرة" إمتد عملياً إلى لبنان. لذلك جاء إعلان إطار تنظيمي للداعشيين اللبنانيين إنطلاقاً من الشمال، في الوقت الذي نشطت فيه "النصرة" بإطلاق الصواريخ على الهرمل في البقاع. انه سباق على الارض اللبنانية جرى إطلاق صفارته، والخشية أن يتحول تدريجياً الى سباق ونزاع كما يحصل في سوريا. يبدأ سباقاً في تنفيذ الأعمال الإرهابية وعرض العضلات ويتحول الى صراع دموي حول النفوذ.
أخطر ما في الأمر التغطية الدينية التي يقوم بها بعض رجال الدين للمرتكبين والمخططين للأعمال الإرهابية، كما في التحرك الداعم لعمر الأطرش المتورط بالمواكبة ونقل السيارات المفخخة لتفجير السفارة الإيرانية في بيروت. فكيف يجري غض النظر عن الاعمال الإرهابية ومهاجمة المؤسسة العسكرية وفي الوقت ذاته مباركة او تغطية القتل والانتحار؟
تتحوّل الساحات العربية تدريجيا الى محطات صراع بين الجيوش من جهة والمجموعات المتطرفة من جهة ثانية. المشهد يتظهر يوما بعد يوم. رغم خطورة الأمر، لكنّ ذلك يقلل من العوامل الطائفية والمذهبية التي رفعها المتطرفون عنواناً لتحركاتهم. الصراع ليس مذهبياً والدليل ما يجري في ليبيا ومصر أساساً، انه نزاع بين التطرف والإنسانية. لن يبقى في حدود الشرق الاوسط ولا في مدن الاتحاد الروسي، بل سيمتد منطقياً الى أوروبا وأميركا.. هكذا علّمت التجارب الماضية.