لم تكد تمرّ 48 ساعة على جريمة الهرمل الإرهابية، حتى أطلّ الإرهاب برأسه من جديد، من قلب الشويفات هذه المرّة..
هو "الإرهاب" الذي يبدو أنه باتت للأسف طبق اللبنانيين شبه اليومي، والذي يبدو أنّ "المجنَّدين" في خدمته هم "غبّ الطلب" وليسوا أبدًا بعددٍ قليلٍ من الشباب ممّن تمّ غسل دماغهم، "إرهابٌ" يبدو أنّه مستمرّ بمخططه "الجهنّمي" غير آبهٍ بكلّ المآسي التي يخلّفها وراءه..
بالأمس، كان "تكتيك" الإرهاب مختلفًا، فأنّ يفجّر الانتحاري نفسه داخل باصٍ للركّاب مشهدٌ لم يكن مألوفًا خلال المرحلة الماضية، وإن ساهمت العناية الإلهية في التقليل من الأضرار، باعتبار أنّ الإرهابي كُشِف، كما رجّحت بعض المعلومات، قبل الوصول إلى هدفه، ففجّر نفسه في الباص قبل أن يمتلئ بالركاب..
تكتيكٌ جديد..
لم يعد الإرهاب حكرًا على منطقة دون أخرى، فالمناطق كلّها مستهدفة، على قاعدة "المداورة" التي يكثر تداولها هذه الأيام في الداخل اللبناني..
هكذا، بات خبر دويّ انفجار من الأخبار شبه اليومية في لبنان، الوطن الذي يبدو أنه وصل إلى "المجهول" الذي لطالما حذر منه المعنيّون، خبرٌ قد تختلف تفاصيله بين يومٍ وآخر، إلا أنه يبقى إشارة إلى أنّ "الهاوية" باتت قريبة وإلى أنّ المطلوب حلٌ جذريٌ لا يقف عند حدود الاستنكارات والادانات التي بات السياسيون "خبراء" فيها.
هكذا، وعلى مقربةٍ من محطة الريشاني دوّى الانفجار في الشويفات. على خلاف العادة، لم يكن ناتجًا عن سيارة مفخخة كان يقودها انتحاري، إذ إنّ الانتحاري غيّر من تكتيكه هذه المرّة، فاستقلّ باصا للركاب مرتديًا حزامًا ناسفًا بلغت كمية المتفجّرات التي يحتويها خمسة كيلوغرامات من المواد المتفجرة، ففجّر نفسه ليسقط قتيلاً على الفور، فيما أصيب سائق الباص وامرأة كانت تمرّ بجانب الباص.
وفي حين حاولت "جبهة النصرة في لبنان" التقليل من شأن فشل مخطط "الانتحاري" عبر الادّعاء بأنّ الانفجار استهدف حاجزًا لـ"حزب الله" وأدّى لمقتل جميع عناصره كما ركّاب الباص بأكملهم، لفت ما ذكرته صحيفة "الأخبار" عن أنّ الانتحاري شوهد يقف أمام محال "غلف مارت" في خلدة، حيث كان يحمل في يده كيساً من "الجنفيص"، وأنه بقي واقفاً نحو ربع ساعة قبل أن يصعد في سيارة تاكسي يقودها الشيخ السلفي ع. غ. وبعد فترة وجيزة من انطلاق السيارة، أنزل الشيخ الانتحاري الذي صعد في سيارة فان متجهة إلى الشويفات. وبعدما دوّى صوت انفجار في الشويفات، ادّعى سائق سيارة الأجرة أنه ارتاب في الرجل وأنزله، بحسب مصدر أمني.
وبحسب الصحيفة، فقد أوقف فرع المعلومات الشيخ ع. غ. وابنه وشاهدين هما أحمد ن. وممدوح م. على ذمّة التحقيق، علماً بأن المشتبه فيهما الرئيسيان هما الشيخ ع. غ. وابن عمّه ز. غ.، لكون الأخير تاجر سلاح معروفاً في المنطقة التي صعد منها الانتحاري. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية قولها إن الشيخ إما "تربطه صلة مباشرة بالانتحاري، أو أنه يعرف من يقف خلف الأخير، لأنه تلقّى اتصالاً من شخص طلب منه توصيل الانتحاري من خلدة إلى نقطة محددة في الشويفات".
عودة إلى النقطة الصفر..
وإذا كان انفجار الشويفات وقبله انفجار الهرمل حصدا جملة من الإدانات والاستنكارات على جري العادة، فإنهما لم يساهما على ما يبدو في تذليل العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة السياسية الجامعة التي يطمح إليها اللبنانيون، علّها تضع حدًا لمسلسل الفوضى الذي لا يوحي بنهاياتٍ قريبة.
هكذا، بقيت الأمور تراوح مكانها، بل إنّ صيغة "الأمر الواقع" عادت إلى التداول بقوة، حيث عاد الحديث عن حكومة أمر واقع سياسية ستبصر النور خلال اليومين المقبلين، بعد أن تكون المحاولات الأخيرة للوصول لـ"تسوية" ما قد استنفدت. وبحسب المعلومات، فإنّ رئيس الحكومة المكلف تمام سلام حسم أمره ويتّجه نحو إعلان تشكيلة وزارية "دستورية" من 24 وزيرا بعنوان "الحكومة الجامعة"، موزعين مثالثة على الفريقين الآذاريين والفريق الوسطي، على قاعدة "ليستقل عندها من يشاء منها".
لكنّ التحذيرات من خطوةٍ من هذا النوع لا تزال هي هي، بل إنّ الكثير من المصادر المراقبة تؤكد أنّ حكومة من هذا النوع سوف تولَد "ميتة"، خصوصًا أنّ "التيار الوطني الحر" لن يقبل بفرض أيّ أمرٍ واقعٍ عليه، ما يعني أنه سيستقيل من الحكومة، الأمر الذي سيُفقدُها "ميثاقيتها" باعتبار أنّ حزب "القوات اللبنانية" يصرّ أيضًا على عدم المشاركة فيها، كما أنّ "حزب الله" من جهته سيتضامن مع العماد عون ولن يقبل المشاركة في أيّ حكومة من دونه.
وفي المواقف، كانت لافتة عبارة "لا تعليق" التي اختصر بها رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط موقفه الأسبوعي لصحيفة "الأنباء" الصادرة عن "الحزب التقدّمي الاشتراكي" والتي أتت تعبيرًا عن "اشمئزاز" البيك من "البازار" الحاصل على الصعيد الحكومي.
كلمة أخيرة..
إلى متى؟ إلى متى سيبقى اللبنانيون الأبرياء يدفعون ثمن ذنبٍ لم يقترفوه أصلاً؟ إلى متى ستبقى الفوضى هي التي تحكم في بلدٍ بات منهارًا؟
هل باتت التفجيرات طبقًا يوميًا على اللبنانيين التعايش معه؟ وهل تصبح دماء الشهداء والجرحى التي تسقط هنا وهناك رخيصة لهذا الحدّ؟
من المسؤول عن كلّ ذلك؟ من الذي أوجد البيئة الحاضنة لهذا الإرهاب الوحشي الذي لا يرحم؟ وهل باتت وظيفة السياسيين "الاستنكار والادانة" لا أكثر ولا أقل؟
ألا يخجل هؤلاء من تكرار نغمة الإدانة نفسها في كلّ مرة؟ ألا يشعرون بالحرج تجاه شعبهم؟ ألا يحسّون أنّ المطلوب منهم أكثر من ذلك بكثير؟!