عمر الأطرش، اسمٌ انتشر بشكلٍ سريعٍ في الداخل اللبناني بُعيد توقيفه من قبل مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، اسمٌ وضعه البعض في خانة "المظلوم"، فيما رأى فيه البعض الآخر "الرأس المدبّر" لمعظم العمليات الإرهابية والوحشية التي ضربت الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة.
وعلى الرغم من أن قيادة الجيش قطعت الشكّ باليقين حين أعلنت في بيانٍ رسمي (1) أنّ الأطرش اعترف بعددٍ لا بأس به من الاتهامات التي وُجّهت إليه، وهو ما ربطه البعض بالأدلة الدامغة التي يمتلكها الجيش، فإنّ "الحملة" على المؤسّسة العسكرية على خلفية هذا التوقيف لم تنتهِ فصولاً بعد، وذهب بعض المشكّكين لحدّ وصف الجيش بـ"العصابة"، وتوصيف عملية "التوقيف" بأنّها "خطفٌ" بكلّ بساطة!
تشكيكٌ بتحقيقات الجيش..
لم يكن البيان الذي أصدرته قيادة الجيش وتحدّثت فيه عن اعترافاتٍ أدلى بها الأطرش أثناء التحقيقات التي جرت معه في مديرية المخابرت كافيًا لوضع حدّ لحملة التشكيك التي طالته على خلفية هذه القضية، والتي وصلت ببعض المشايخ للاعتصام أمام وزارة الدفاع مطالبين بإطلاقه دون إبطاء.
وفي هذا السياق، يعرب رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ عدنان إمامة عن اعتقاده بأنّ كلّ ما قيل عن "أدلة دامغة" ضدّ الأطرش "كلامٌ مُدانٌ وليس له أيّ أساسٍ من الصحة"، ويلفت، في حديث لـ"النشرة"، إلى ما يسمّيها "تجاوزات كثيرة أمنية وقضائية" حصلت على خط هذه القضية.
أكثر من ذلك، يصف الشيخ إمامة عملية توقيف الأطرش بأنها "عملية خطف" قامت بها مديرية المخابرات في الجيش، ويوجّه للأخيرة اتهاماتٍ مباشرة بتعذيب الأطرش ومنع المحامي والطبيب من لقائه، كما تجاوز المدّة القانونية لاحتجازه، معتبرًا أنّ كلّ الاجراءات التي اتخذتها قيادة الجيش بحقه غير قانونية.
من جهته، يشكّك عضو كتلة "المستقبل" النائب معين المرعبي بما سُرّب عن التحقيقات مع الأطرش، ويتوافق مع إمامة بالقول أنّها لم تكن قانونية، مجدّدًا القول أنّ مديرية المخابرات في الجيش "ليست ضابطة عدلية". ويقارن المرعبي، في حديث لـ"النشرة"، بين عملية توقيف الأطرش وعملية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة الذي أوقفه فرع المعلومات بداية لمدّة 24 ساعة بإشارة من القضاء المختصّ، جازمًا أنّ الأطرش تعرض للتعذيب والضرب من قبل المخابرات اثناء التحقيقات.
مطالباتٌ بإعادة التحقيقات من نقطة الصفر..
ينطلق المشكّكون من كلّ الحيثيات "غير القانونية" للقضية، كما يصفونها، للمطالبة بإعادة التحقيق مع الأطرش من نقطة الصفر من قبل القضاء اللبنانيعلى حدّ تعبير النائب المرعبي، الذي يتساءل عن سبب عدم التعامل بهذه الطريقة مع من يسمّيها بـ"الجهات الإلهية التي اتُّهِمت بملف اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ومحاولة اغتيال النائب بطرس حرب وغيرها"، معتبرًا أنّ هذه الازدواجية في التعاطي تؤدّي لعدم تحقيق العدالة ولانتصار الظلم الذي يؤدّي إلى الثورة والتطرف، مجدّدًا القول أنّ مديرية المخابرات في الجيش تنفذ أجندة "حزب الله"، الذي حمّله مسؤولية كلّ التفجيرات التي حصلت في لبنان في الآونة الأخيرة بسبب انخراطه في الحرب الدائرة في سوريا.
ويوافق إمامة المرعبي في رأيه، لكنّه يطالب بإحالة الأطرش إلى فرع المعلومات تحديدًا، مبرّرًا ذلك بالقول بأنه "يثق بهذا الفرع الذي كشف منفذي تفجير طرابلس ولم يتعرّض لهم بالضرب والتعذيب"، ويرى أنّ "فرع المعلومات يمتلك موضوعية اكثر من الجيش". وفيما يأسف لعدم تدخل تيار "المستقبل" بهذه القضية رغم أنّ الأطرش هو في النهاية "ابن البيئة السنية التي يمثلها التيار"، يكشف عن تحضير ملف كامل عن التجاوزات بحق الاطرش وفي قضايا اخرى مثل مقتل الشيخ احمد عبد الواحد وغيرها من المخالفات في التحقيقات مع بعض الموقوفين، "وسيتم ارسالها الى الجمعيات الحقوقية، والامم المتحدة من اجل الاطلاع عليها"، مستغرباً "كيفية التعامل مع قضية تفجير المساجد في طرابلس، وطريقة التعامل مع آل عيد المتهمين بهذا التفجير".
أهالي الشهداء: لإعدام الأطرش في حارة حريك!
وعلى جري العادة اللبنانية، فإنّ كلّ شيء يخضع لبازار الانقسام. هكذا، يُقابَل التشكيك في مكانٍ بالتحقيق مع الأطرش بتبنّ ورضا كامل في مكانٍ آخر. ولعلّ أكثر المرحّبين هم أهالي شهداء التفجيرات الأخيرة التي حصلت في الضاحية الجنوبية، أولئك الذين خسروا أحبّاءهم والذين لن يستطيع شيء أنّ يعوّض خسارتهم.
ومن بين هؤلاء محمد الجوهري، شقيق الشهيدة ماريا الجوهري، الذي أبدى ترحيبًا وتقديرًا للجيش الذي استطاع إلقاء القبض على من شارك بقتل شقيقته وسائر الشهداء، وطالبه بعدم إطلاق الأطرش لأيّ سببٍ كان، بل احتجازه في وزارة الدفاع وإعدامه في مكان التفجير في حارة حريك. وإذ شدّد في اتصال مع "النشرة" على وجوب التعامل معه كـ"إرهابي قتل الأبرياء"، تمنى أن تكون الدولة ولو لمرة واحدة مع المظلوم وليس مع الظالم، وألاّ ترضخ لأيّ ضغوطٍ يمكن أن تتعرّض لها من هنا وهناك، كما دعا الى "محاسبة كل من يغطي الاطرش ومن ساعده بتنفيذ عملياته، وكل من موّله، وايضاً باعتقال كل من تظاهر من اجل اطلاق سراحه".
على الرغم من ان كل هجوم تتعرض له قيادة الجيش اللبناني، بعد كل اعتقال او مهمة امنية ضد الارهاب، الا انها تبقى محط اجماع اللبنانيين، وتبقى المؤسسة الضامنة للسلم والامن والاستقرار باعتراف الجميع، ربما لأنّها وحدها التي لا تزال تطبّق شعارها "شرف، تضحية، وفاء" على الأرض، ولهذا السبب تبقى عُرضة للحملات والاتهامات في كلّ الظروف والأزمنة..
(1) اصدرت قيادة الجيش بياناً اعلنت فيه ان "الاطرش اعترف بنقل أحزمة ناسفة ورمانات يدوية وذخائر مختلفة. وانه نقل معه انتحاريَّين مزودَين بأحزمة ناسفة، حيث قتلا لاحقاً على حاجزي الأولي ومجدليون، كما اعترف بنقله انتحاريين من جنسيات عربية إلى داخل الأراضي السورية وتسليمهم إلى جبهة النصرة، بالإضافة إلى إحضاره 4 صواريخ من سوريا أطلقت بتاريخ 22/8/2013 من منطقة الحوش باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى 4 صواريخ أخرى استلمها قبل توقيفه بأيام من المدعو أحمد طه.