ليس سهلاً على المراقبين الفصل بين الفشل في توفير مقعد لطهران على طاولة «جنيف 2» وبين ما أصاب الجهود المبذولة لتأليف الحكومة. فالشروط التي برَزت لإعاقتها ليست محلّية فحسب، بل هي أيضاً نتيجة شدّ الحبال حول سوريا. لكنّ الخوف الحقيقي على أبواب «جنيف 3» هو أن يضاف الهمّ الأمني إلى الهمّ الحكومي. فما الذي يقود إلى هذه المخاوف؟
يتوجَّس القادة الأمنيّون من النتائج المترتّبة على الفشل في تأليف حكومة جديدة، في ظلّ الظروف التي تعيشها المنطقة، ولا سيّما ما بلغته الأزمة السورية من تحدٍّ لكلّ أشكال الحلول السياسية التي بدت عاصية باعتقاد البعض، أو مؤجّلة في حسابات المجتمع الدولي، بعدما تحوّلت سوريا ساحة مواجهة بين المحاور الكبرى تَستخدم فيها ما امتلكته من مصادر قوّة عسكرية وماليّة وديبلوماسيّة.
ويعترف القادة الأمنيون بأنّ الحديث عن الاستقرار ما زال بعيد المنال، ولم يعُد رهناً بتأليف حكومة جديدة، ولا يستطيع أيّ مرجع ضمان ولادة الحكومة كما الهدوء المنشود في مقبل الأيام، أو تصنيف المناطق بين آمنة وغير آمنة. فاليوم مرّت عشرة أشهر من عمر التكليف وتصريف الأعمال على وقع تفجيرات أمنية هزَّت البلاد من وسط بيروت الى ضاحيتها الجنوبية مروراً بالبقاع والجنوب وصولاً الى طرابلس وعكار، ما يؤكّد أنّ ما يشهده لبنان ليس سوى مرآة للأزمة السورية بكلّ وجوهها الأمنية والعسكرية، حتى الإنسانية منها والإقتصادية.
ويعتقد القادة الأمنيون أنّ الوضع الأمني مرشّح لمزيد من التصعيد، فالتحضيرات العسكرية القائمة للإفادة من الفترة الفاصلة بين "جنيف 2" و"جنيف 3" لتعزيز المواقع العسكرية على الأرض وتبديل التوازنات، ظهرت على أنّها همٌّ لبناني أكثر ممّا هي همّ سوري.
ويقول أحد الديبلوماسيين في لقاء جمعَه مع مسؤولين لبنانيّين، إنّ النظام السوري يدرك جيّداً أنّ الانتصار على المعارضة و"إجتثاث الإرهاب" ليس مهمّة سهلة إطلاقاً في مناطق سوريّة عدة. لكنّ بعض اللبنانيين يراهن على أنّ المهمة ممكنة بمجرّد تغيير الموازين العسكرية في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية على الأقل، من أجل تعزيز مواقعهم في السلطة، بعدما تحوَّل لبنان بمختلف موانئه البرّية والبحرية والجوّية الرئة الوحيدة التي يتنفَّس منها النظام في وجه "المؤامرة الكونية" عليه.
ولذلك، تعتقد المراجع الأمنية أنّ استمرار العمليات العسكرية على تخوم الأراضي اللبنانية لجهة شرق البلاد وشماله، سيُلقي بظلاله السوداء على الداخل اللبناني بمزيد من العمليات العسكرية في أيّ وقت ومكان، ولا سيّما منها العمليات الإنتحارية التي رفَعت من نسبة التوتّر والشلل الإقتصادي في مختلف المرافق العامّة والمؤسسات والمراكز التجارية، بالإضافة الى تحوّل مناطق عدة، مناطق أمنية مقفلة على الحركة الإقتصادية، بعدما صُنِّفت على لائحة الإستهداف.
وعليه، تتوقّع المراجع الأمنية عمليات عسكرية بأشكال غير مألوفة حتى اليوم، وما استهداف محطة للمحروقات في الهرمل وفانٍ للركّاب في الشويفات إلّا خرقٌ لكلّ الخطوط الحمر، ومقدّمة لما هو منتظر. وإذ تلفت الأجهزة الأمنية إلى أنّ "الإرهابيين - المجاهدين" سيلجأون الى أشكال أخرى، تحفّظت على عدد منها في شكلها وتوقيتها، لكنّها بدأت تتحسّب لها وتستعدّ لمواجهتها بإجراءات وقائية إستباقية والقضاء عليها سريعاً لتجاوز تردّداتها وآثارها بأقلّ خسائر ممكنة.
وبناءً على ما تقدّم، ارتفعت نسبة المخاوف الأمنية مترافقةً مع ارتفاع احتمال تأجيل إستحقاق تشكيلة حكومة "بمَن حضر" لئلّا تضيف هموماً سياسية الى ما هو قائم من هموم أمنية. فظهَرت مبادرات توحي بتأجيل البَتّ في التشكيلة الحكومية إلى ما بعد "جنيف 3" لعلّه يأتي ببعض الترياق.
ويقول أصحاب الدعوة الى التأجيل إنّ رئيس الجمهورية يزور تونس غداً ليومٍ واحد، وإذا أصرَّ الرئيس المكلف على تقديم تشكيلته اليوم، فلن يبتّ بها رئيس الجمهورية قبل عودته. لذلك، يمكن للرئيس المكلف إعطاء فرصة إضافية للمساعي المبذولة، فيُرجئ عرض تشكيلته الحكومية إلى الأيام المقبلة.
وتزامنت كلّ هذه المبادرات مع "فتوى تشريعية" جديدة طرحها الرئيس نبيه برّي أمام نواب لقاء الأربعاء أمس، مدَّد فيها المهمة التشريعية لمجلس النواب إلى 15 أيّار، أي قبل 10 أيام على نهاية ولاية رئيس الجمهورية، بدلاً من 15 آذار المقبل بدء احتساب مهلة الستّين يوماً. فلِمَ العجلة! وهل سيكون لبنان بحاجة عندها الى حكومة جديدة إذا ما انتخب الرئيس الخلف؟