علت صرخة مزارعي البقاع بعد أشهر الجفاف الأخيرة، فشحّ الأمطار هذا العام بلغ حداً لا يمكن إلا التوقف عنده، لما سيشكل من كارثة على صعيد الأمن الغذائي في لبنان في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه.
العيش دون خبز وماء؟!
وها نحن اليوم في شهر شباط المعروف بين الفلاحين بكونه "فحل الشتي"، الذي لا تبشّر بدايته بإمكانية تعديله لمنسوب المياه المتدني. وفي هذا الإطار، يقرع المزارع خالد صميلي جرس الإنذار، محذراً من الوصول إلى كارثة بكل ما للكلمة من معنى في بعلبك والهرمل والبقاعين الأوسط والغربي "لأنّ الآبار بدأت تفرغ". ويناشد الحكومة "أخذ الموضوع بشكل جدي"، ويقول: "يمكن العيش دون بنزين ومازوت، أما دون خبز وماء؟ فهما أساس بقاء حياة الإنسان".
يشرح صميلي أن المزارعين بدأوا بنقل المياه للري معتمدين بذلك على مضخات تعمل على المازوت، مما يجعل من التكاليف الباهظة تزداد عليهم، بدوره، يروي المزارع خالد شومان الصعوبات التي يجدها لري القمح، خصوصاً بسبب عدم وجود المياه في الآبار والأنهر بشكل كافٍ. ويلاحظ شومان، أنه "في مثل هذه الأيام عموماً، يرتفع طول نبتة القمح إلى 30 سنتيمتراً على وجه الأرض، أما اليوم فهي تكاد لا تظهر". وبالإضافة إلى ذلك، فإن حجم منسوب المياه في بحيرة القرعون بات اليوم مثيراً للخوف لأنه ينذر بإمكانية ضرب الموسم الصيفي وموسم البطاطا أيضاً.
ماذا ينفع الندم؟
"يا حرام عالبحيرة"، يقولها المدير العام السابق لمصلحة الليطاني ناصر نصرالله، "ففي مثل هذه الأيام من السنة كانت تجمع حوالي الـ180 مليون متراً مكعباً، أما اليوم، فأقل من ربع هذه الكمية موجود فيها، حيث أن منسوب المياه لا يتعدى الـ43 مليون متراً مكعباً". وهنا يشير المزارع محمد صالح إلى أن "الجفاف في البحيرة قد يؤدي إلى ضرب المواسم، ونقص منسوب المياه في الليطاني يؤدي حتماً إلى جفاف ضفتي النهر"، موضحاً أنه في حال عدم هطول الأمطار، فسينخفض حتما منسوب المياه الجوفية مما لذلك من انعكاسات سلبية عديدة على المزورعات.
أما نصرالله فيوضح أن هذه الإنعكاسات ستظهر خصوصاً في شهر تشرين الأول المقبل، أي في أواخر الصيف، حيث سيلاحظ جفاف الينابيع في كل لبنان، معتبراً أن "المسألة تحتاج إلى تحرك جدي من كل الإدارات المعنية لتأمين المياه لأننا قادمون على أيام ستكون صعبة على الإقتصاد الوطني". ويتابع: "إذا كان في البلد من خلية أزمة، فإن من الضرورة أن تتحرك الآن قبل الغد، للتفكير بسبل تلافي إنعكاسات إنحباس الأمطار... ولكن لا أحد يأبه والجميع غائب عن الوعي". ويتساءل: "ماذا ينفع الندم فيما بعد؟ الإنسان لديه عقل ليرى أبعد من اللحظة الحالية وليعمل على التفكير إلى الأمام سعياً لإيجاد حلول لمشاكله"، داعياً لـ"إرشاد المواطنين على ما يمكن أن يحدث في حال بقي الأمر على حاله".
الأمل بربيع رطب
وزارة الزراعة تعمل اليوم على صعيد الإرشاد لحسن استخدام الموارد المائية في عملية الري، وقد قامت بذلك قبل ظهور علامات انحباس الأمطار، وفق ما يؤكد رئيس مصلحة الزراعة في البقاع خليل عقل، مشيراً إلى أن "الوزارة، عبر دورات إرشادية، تشجع على استعمال أساليب الري الحديثة التي تخفف من الهدر، وتقوم أيضاً باستحداث بحيرات جبلية لجمع المياه السطحية التي يمكن استخدامها في مشاريع زراعية".
لا يستبعد عقل إنعكاسات سلبية لعدم هطول الأمطار بالنسب المعتادة، لكنه يعتبر أن ما تقوم به وزارة الزراعة اليوم من شأنه تخفيف حدّة تلك الإنعكاسات لا تلافيها بشكل كامل.
ويتمنى أن تأتي الأمطار ولو متأخرة، مذكراً بأنه في سنوات ماضية أتى ربيع رطب ليعوّض نقص المياه في الشتاء، لكنه يضم صوته إلى صوت المطالبين بتحرك أوسع من تحرّك وزارة الزراعة فقط، مشدداً على ضرورة عدم ترك أنفسنا إلى آخر دقيقة لنسأل عن الحل.
إلا أن نصرالله، فيعتبر أنه لا يمكن ترقب تحسن كبير في وضع منسوب المياه الجوفية، خصوصاً وأننا شارفنا على منتصف شهر شباط والحالة هي هي، واصفاً الوضع بـ"الصعب جداً".
ويبقى الأمل في أن ينعم الله علينا بخيره، بحسب عقل... فتساقط الأمطار ليس بيد الدولة ولا بيد أحد. إلا أن إهمال هذه المشكلة المحدقة ليس فقط بالمزارعين بل بكل الشعب اللبناني، وعدم إعطائها الإهتمام المطلوب، هو مشكلة بحد ذاتها، في وطن لا يأبه فيه مسؤولوه إلا بالمحاضرة عن الديمقراطية والعيش المشترك والسلم الأهلي وبالسعي للحفاظ على كراسيهم من جيل إلى جيل.