بدا واضحاً أن الجولة الثانية من المفاوضات بين النظام السوري ومعارضيه ستنتهي إلى ما انتهت اليه سابقتها، في ظل عدد من المؤشرات لا بد من التوقف عندها للاشارة إلى أن هناك من يستمر بالمكابرة وهو يرفض الاعتراف بان الأمور لم تعد كما كانت عليه عند انعقاد مؤتمر جنيف الأول، حيث كان النظام حينها محاصراً من عدة زوايا، على عكس وضعه الراهن بعد أن استعاد المبادرة وتحول إلى رقم صعب لا يمكن شطبه مهما بلغت الضغوط والمحاولات، خصوصاً أن موسكو وطهران يدعمان الموقف السوري الرسمي إلى أبعد الحدود ومن دون ضوابط أو شروط ما يعطي الوفد الرسمي المزيد من هامش المناورة.
في هذا السياق، يعرب دبلوماسي شرقي عن اعتقاده بأن أوان الحل في سوريا لم يحن بعد، وإن لم يعد بعيداً كما يروج البعض، فالدول المعنية بدأت فعلاً باجراء عمليات اعادة تموضع بدءاً من تركيا مروراً بالسعودية وليس انتهاءاً بواشنطن نفسها التي تعمل على تنفيذ انسحاب هادىء وممنهج من أفغانستان من خلال تفاهمات مع ايران ومع الدول المؤثرة حتى لا تتكرر تجربة العراق مرة ثانية.
وتركيا، التي كان لرئيس وزرائها رجب طيب أردوغان زيارة إلى طهران انتهت إلى كسر الجليد المتراكم بينهما منذ اندلاع الحرب في سوريا، ترجمها الجيش التركي رسالة واضحة لكل من يعنيه الأمر من خلال غارة جوية على مقر قيادة لتنظيم "داعش" داخل الأراضي السورية، واستكملها بتزويد الجيش السوري بخرائط عسكرية وجوية ساعدته على احراز المزيد من التقدم على جبهة حلب، فضلاً عن عودتها للحديث عن صفر مشاكل مع جيرانها في مشهد يعطي الإنطباع الكامل بأن التسوية بدأت تشق طريقها، وأن الهدف الأول والأخير لم يعد اسقاط الرئيس بشار الأسد ولا النظام، بل اسقاط الارهاب التكفيري وتصفية الارهابيين بعد أن كانوا على طاولة حوار داخل الاتحاد الأوروبي حول مصيرهم بعد الحرب السورية، وهل يجوز السماح لهم بالعودة إلى الدول الأوروبية التي يحملون جنسياتها.
أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، والقراءة للدبلوماسي الشرقي، يبدو أنها اتعظت مما حصل في قطر على مستوى التغيير الهادىء، وفهمت أن الارادة الأميركية تعلو ولا يعلى عليها مهما بلغت المعاندة، فالكلمة الفصل هي لواشنطن وللرئيس باراك أوباما الذي سيحط رحاله منتصف الشهر المقبل في الرياض، في زيارة يصفها الدبلوماسي بزيارة رفع العتب وابلاغ القرار النهائي غير القابل للجدال للملك السعودي، الذي بادر إلى عدد من الخطوات الايجابية المطلوبة منه للتماهي مع المشهد الجديد في المنطقة الذي تغير مع توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية، وأدى إلى الافراج عن جزء من الأموال المجمدة ، وبالتالي فإن المتغيرات الحقيقية ستنشأ بعيد انتهاء الزيارة الأميركية للدولة الخليجية المحرجة داخلياً وخارجياً واقليمياً.
يبقى أن واشنطن، المهتمة بملف يتيم وهو مكافحة الارهاب التكفيري، تعمل على تنفيذ انسحاب هادىء من أفغانستان، وهذا قد لا يحصل الا من خلال فكفكة الخلايا الارهابية الأساسية ومراكز القيادات التي عادت للتتكاثر وتشكل خطراً مباشراً على نفط بحر قزوين الذي يفوق جودة وكمية النفط الخليجي، بحسب الدراسات التي تملكها الشركات الأميركية المهتمة، وبالتالي فإن الهم الأميركي يدور حول الارهاب وليس اسقاط نظام الأسد، وهذا ما بدا واضحاً من خلال المحادثات الجانبية التي شهدها اليوم الثاني من الجولة الثانية.