الهجوم الميداني الفعلي على بلدة يبرود بهدف إسقاطها لم يبدأ بعد، لكن المعركة بدأت بالفعل، حيث تتعرّض المدينة ومحيطها لغارات جويّة عنيفة بوتيرة كثيفة بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي مركّز. وبالتالي، وبهدف جعل الكلفة البشريّة لأيّ هجوم شامل على يبرود منخفضة، يعتمد الجيش السوري النظامي والقوى المساندة له، خطة ترتكز على أربع نقاط أساسيّة، شبيهة بتلك التي طٌبّقت بنجاح في معركة القصير، وتتضمّن:
أوّلاً: إسقاط القرى والبلدات المحيطة بشكل تدريجي بهدف تضييق الحصار على المنطقة الأساسيّة المستهدفة والتي هي مدينة يبرود حالياً، ومدينة القصير سابقاً.
ثانياً: العمل المنظّم على السيطرة على التلال والمرتفعات المحيطة بالمنطقة المستهدفة لجعل المناطق الأقل إرتفاعاً ساقطة عسكرياً أو أقلّه في مرمى نيران القوى المهاجمة.
ثالثاً: تنفيذ غارات متكرّرة وقصف صاروخي ومدفعي متواصل وذلك بهدف إنهاك القوى المُتَحصّنة في المنطقة.
رابعاً: شنّ المرحلة الأخيرة من الهجوم والتي تتمثّل بالزحف الميداني من مختلف الجبهات عبر حشد كبير من القوّات البرّية المدعومة بالمدرعات.
ويمكن القول إنّ ثلاث نقاط من هذه الخطة الرباعية قد طُبّقت حتى كتابة هذا المقال، ويبقى إختيار التوقيت الأنسب لتنفيذ النقطة الرابعة، أي لشنّ الهجوم البرّي الواسع، والذي لن يتمّ قبل التأكد من إنهاك القوى المدافعة، ومن تراجع ذخيرتها إلى الحدود الدنيا. تذكير أنّه إعتباراً من تشرين الثاني الماضي، نجح الجيش السوري تدريجاً في التقدّم من الشمال باتجاه الجنوب، حيث فرض سيطرته على بلدات قارة ودير عطيّة والنبك والقسطل، والتي تقع كلّها على خط الطريق الدولي السريع بين حمص نزولاً إلى دمشق، ضمن خطّة محاصرة يبرود الموجودة على خط ثانوي قريب جغرافياً من الخط الأساسي. وبعد ذلك نفّذ الجيش السوري هجوماً ناجحاً على بلدة الجراجير ومرتفعاتها، وسيطر على مجموعة من القرى والبلدات الصغيرة الأخرى، وعلى "مزارع ريما" أيضاً، ليعزّز بذلك حصاره على يبرود والمنطقة المحيطة بها، قبل أن يبدأ سياسة "أرض محروقة" تمهيداً للهجوم النهائي.
لكن من الضروري الإشارة إلى أنّ مساحة المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة السورية المسلّحة في يبرود ومحيطها واسعة، وطبيعتها الجغرافية التي تتكوّن من هضاب وأودية ومن أحراج ومغاور، تسمح للمقاتلين المدافعين بالإختباء من الغارات الجويّة، وبالإحتماء من القصف البرّي. كما أنّ حجم قوّات المعارضة هناك كبير، حيث تتشكّل من وحدات تابعة لما يُسمّى "جيش الإسلام" و"أسود السنّة" و"ألوية الصحابة" وغيرها، علماً أنّ جزءاً كبيراً من هؤلاء المقاتلين كان إنسحب إلى يبرود بعد سقوط القصير ومحيطها. كما أنّ كمّيات الذخائر، ونوعية العتاد الموجودة بأيدي المعارضين، تؤمّن طاقات كبيرة على المواجهة. وهذا يعني أنّ مسار المعركة لن يكون سهلاً ولا قصيراً، وشرساً إلى حدّ كبير.
وبالنسبة إلى الإنعكاسات المتوقّعة لأيّ هجوم شامل على يبرود، فهي تُختصر على الشكل التالي:
أوّلاً: توقّع وقوع عدد كبير من الضحايا بين سكّان المنطقة، والذين صار عددهم يبلغ نحو 70,000 عند نزوح الكثير من السورييّن إليها، علماً أنّ 12,000 مسيحي يسكنون يبرود التي تضمّ مقرّاً دينياً مهمّاً، وفيها تُحتَجَز الراهبات المختطفات من دير معلولا. وتوقّع أن تلحق بالمدينة وسكّانها خسائر مادية جسيمة، تفوق تلك التي وقعت حتى اليوم، علماً أنّ يبرود مشهورة بمصانعها وبمزارعها.
ثانياً: إنّ وجود آلاف المقاتلين شبه المحاصرين يعني حكماً توقّع شراسة بالقتال وبالمواجهات بشكل سيتسبّب برفع حجم الخسائر لدى القوى المهاجمة والمدافعة على السواء.
ثالثاً: إنّ إحتمال سقوط يبرود يعني سقوط آخر المعاقل المهمّة للمعارضة السورية المسلّحة في منطقة القلمون، وبالتالي قطع طرق الإمداد بالمقاتلين والسلاح بين منطقة عرسال اللبنانيّة والداخل السوري، ومن يبرود نحو بعض بلدات الداخل السوري، وإبعاد الخطر الناريّ نهائياً عن طريق حمص – دمشق الدولي. يُذكر أنّ أهمية منطقة القلمون الحدودية مع لبنان إستراتيجيّة، كونها تُشكّل قاعدة خلفيّة للمعارضة المسلّحة، تمدّ عبرها ريف محافظة دمشق وبعض المناطق في محافظة حمص بالعديد والعتاد.
رابعاً: في حال لم يتم إستباق الهجوم البرّي على يبرود بقطع الطريق من الجهة الغربيّة للمدينة، والذي لا يزال مفتوحاً حتى تاريخه، فهذا يعني إحتمال إنتقال وحدات مقاتلة كبيرة من المعارضة السورية إلى الداخل اللبناني عن طريق جرود عرسال، مع ما سيُسبّبه هذا الأمر من مخاطر على الوضع الداخلي المُهتزّ أصلاً.
في الخلاصة، أيّ هجوم على يبرود، وبغض النظر عن نتائجه على مستوى الصراع الدموي المفتوح بين النظام السوري ومعارضيه، سيكون له تداعيات خطيرة على الساحة اللبنانية نتيجة قرب هذه المنطقة جغرافياً من الحدود اللبنانية، وتواصلها مع عرسال التي هي حالياً بمثابة برميل بارود جاهز للإنفجار، قد يُساهم تدفّق المزيد من المسلّحين المعارضين إليها في حال سقوط يبرود، في إشعاله!