وأخيرًا، وبعد طول انتظار، وُلِدت حكومة "المصلحة الوطنية"، كما وصفها رئيسها تمام سلام، أو حكومة "التسوية" كما فضّل الكثيرون توصيفها..
هكذا، وبعد عشرة أشهر من "العُقَد" و"العُقد المضادة" التي بدا معها تأليف الحكومة أشبه بـ"مهمّة مستحيلة"، أبصرت الحكومة النور، بتركيبة وُصفت بـ"الغريبة العجيبة"، ظهر من خلالها أنّ "المداورة" طُبّقت من أجل "المداورة"، في حين كان مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب" الغائب الأكبر عنها، بدليل "التبديلات" التي رُصِدت في اللحظة الأخيرة بين بعض الوزراء من دون أيّ مراعاةٍ لعنصر "الكفاءة" على سبيل المثال.
وفي وقتٍ "هلّل" السياسيون لولادة الحكومة، التي يُنتظر أن تصطدم بأول "المطبّات" من خلال البيان الوزاري، حيث لم يتردّد البعض ببدء التلويح بـ"الانسحاب" في حال لم يحصل ما "على خاطره"، كان "امتعاض الشارع" سيّد الموقف خلال عطلة نهاية الأسبوع، امتعاضٌ عبّرت عنه جماهير الفريقَين "المُعبّأة" منذ مدّة، امتعاضٌ سارعت القيادات السياسية للتخفيف من وطأته قدر المستطاع.
حكومة تسوية..
صباح السبت، حُسِم الأمر واتُّخذ القرار بتشكيل الحكومة، قرارٌ لم تؤثر به "عُقَد" ربع الساعة الأخيرة، التي اتصلت خصوصًا بتوزير المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. فصحيح أنّ تيار "المستقبل" قرّر التنازل عن ترشيحه لحقيبة الداخلية، بعد ساعاتٍ معدودة على إعلانه من قبل الأمين العام للتيار أحمد الحريري "مرشح التيار الوحيد للداخلية" وهو ما عرقل ولادة الحكومة يوم الجمعة، إلا أنّ توزيره بقي مطلبًا أساسيًا لهذا التيار، فتنقل اسم ريفي بين الحقائب التي رفضها بالمجمل، إلى أن رسا أخيراً على وزارة العدل، على حساب نقيب المحامين الأسبق رشيد درباس الذي تمّ "نقله" عنده إلى حقيبة الشؤون الاجتماعية.
ومع حلحلة هذه "العقدة"، وظهور بعض "المفاجآت غير المحسوبة" على غرار طرح اسم القاضية أليس شبطيني من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في "اللحظة الأخيرة"، فُتِحت طريق السراي الحكومي أمام رئيس الحكومة تمام سلام، فوُلِدت حكومته وصدر مرسومٌ رسميٌ بتشكيلها، وقد تألّفت من أربعة وعشرين وزيرًا وُزّعوا بين فريقي 8 و14 آذار وفريق الوسطيين، علمًا أنّ عملية حسابية بسيطة أظهرت خللاً في تركيبة "8-8-8" المُعلنة بحيثحازت قوى "14 آذار" على 9 وزراءبشكل واضح.
ولعلّ رئيس الحكومة تمام سلام كان الأكثر "حماسة" لـ"الإنجاز" الذي حققه بعد "نضالٍ طويل" استمرّ زهاء عشرة أشهر، وهو شدّد في كلمته الأولى للصحافيين بُعيد التشكيل على أنّجميع العناصر الدستورية والقانونية والتمثيلية متوفرة في الحكومة، وأنّها شكلت بروح الجمع لا الفرقة والتلاقي لا التحدي، وهي قادرة على خلق مناخات ايجابية للحوار الوطني وقادرة على تأمين الاجواء اللازمة لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها واقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية.
لا حَرَج من المشاركة..
لم ينزل تأليف الحكومة لا بردًا ولا سلامًا على اللبنانيين المنتسبين لفريقي "8" و"14 آذار" على حدّ سواء، فإذا كان الفريق الأول لم "يهضم" فكرة الجلوس مع "حزب الله" على طاولةٍ واحدة، بعد أشهرٍ طويلة من "العداء" له ومن رفع الشعارات المناهضة لذلك، فإنّ جمهور "8 آذار" بدا كمن "طُعِن" عند رؤيته لتركيبة الحكومة، التي ضمّت من الأسماء ما اعتبرها "نافرة" و"استفزازية"، كما أنّ كلّ الحقائب "الحساسة"، ولا سيما الأمنية منها، ذهبت إلى "الفريق الآخر".
هذا "الامتعاض" تطلب من القيادات السياسية مواقف "عاجلة" لمحاولة "تهدئة" الشارع و"تطييب خاطره" قدر المستطاع، وهو ما فعله الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في الكلمة المتلفزة التي ألقاها لمناسبة ذكرى "القادة الشهداء" التي غاب عنها "الاحتفال الجماهيري" هذا العام للمرّة الأولى منذ عقود بسبب "الظروف الأمنية"، حيث انطلق من "تفهّمٍ" و"تقدير" لمواقف القاعدة الشعبية، ليعلن أنّالحزب لا يشعر بأيّ "حَرَجٍ" من مشاركته في الحكومةباعتبار أنّه أصلاً لم يضع فيتو على أحد كما فعل الفريق الآخر بل كان من دعاة الشراكة منذ اليوم الأول، مقللاً من شأن "الحقائب" التي قال أنّ الحزب لم يسأل عنها ولم يناقش بها حتى آخر لحظة، علمًا أنّ السيد نصرالله وضع ملف الحكومة في آخر سلّم "الأولويات" في خطابه، مقدّماً عليه الملف الأمني، مشدّدًا على أنّ "الانتصار" سيكون حليفه في المعركة ضدّ التكفيريين، ولو حرص على التأكيد أنّ المسألة تحتاج إلى وقت بطبيعة الحال.
في غضون ذلك، لفت كلامٌ لرئيس المجلس النيابي نبيه بري اعتبر فيه أنّ عمر هذه الحكومة سيمتدّ حتى الخامس والعشرين من أيار، وهو اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان، حيث يفترض أن تكون في حكم المستقيلة دستورياً، بعد أن يكون قد انتُخب رئيس جديد للجمهورية وأقسم اليمين الدستورية "إلا إذا"، على حدّ تعبير بري، الذي تحدّث عن "توازن في توزيع الحقائب الوازنة، وكذلك الخدماتية".
كلمة أخيرة..
ساعاتٌ قليلة وتُطوى صفحة "التأليف"، وتُطوى معها "الامتعاضات" التي لاحت في الأفق حول التركيبة الحكومية من قبل هذا الفريق وذاك..
ساعاتٌ قليلة أيضًا وتُفتح صفحة جديدة هي الأولى في سجلّ "الأزمات" التي يُتوقع أن تواجه الحكومة العتيدة، وذلك مع البيان الوزاري، الذي يُتوقّع أن تستغرق صياغته فترة طويلة، ولو يخطّط البعض للاستعانة بـ"اللغة العربية الإنشائية" كـ"مَخرَجٍ" لهذه الأزمة..
ويبقى الأمل أن تتصدّى هذه الحكومة عمليًا للتحدّيات المحدقة بالوطن، على كثرتها، ولا تتحوّل لنسخة مصغّرة عن "الصدام اللبناني"، داخل المؤسسات هذه المرّة!