هم ليسوا "معاقين" بل من ذوي الإحتياجات الخاصة... كثيرون ينظرون الى هؤلاء نظرة شفقة وأسى والنتيجة تكون لديهم "هم عالة على المجتمع". نظرة أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة لأنفسهم تختلف عن نظرة الناس لهم، فنسبة لا بأس بها منهم تجاوزت مشكلة تشوّه الجسد لتنظر فقط الى الروح السليمة وبالتالي استطاع هؤلاء تقبّل حالتهم فيما بقي البعض الآخر أسير حالته المرضية التي لم يستطع تخطيها.
أنا ابن الله ولي دور أساسي
الفرح، السلام، الطمأنينة، الثقة بالنفس كلها أمور تشعر بها عندما تسمع ايلي طوق هذا الشاب الذي أمضى 23 عاماً من حياته بين "سيسوبيل" و"أنت أخي" لأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة. "أنا ابن الله ولدي دور أساسي أقوم به في هذه الحياة، أن أكون شاهداً على الفرح"، بهذه الكلمات يبدأ حديثاً استمر لأكثر من ساعتين مع "النشرة". هو الذي يعتبر أنه "لم يعد يرى تلك "الإعاقة" التي ألمت به منذ سنوات فالأساس ليس الجسد بل الروح وهي سليمة أما الجسد فهو مشوّه".
كلمات تتفاجأ لسماعها من شخص يعاني الكثير والكثير في حياته، وهنا لا يستطيع المرء الا المقارنة بين حالة هذا الشاب الذي استطاع أن يتخطى تلك الإعاقة ويشعر بفرح الحياة رغم صعوبتها بينما كثير من الأشخاص المعاقين يرزحون تحت ثقل الهموم ولا يستطيعون تخطي عوائق بسيطة تعترضهم.
رسالتنا أن نزرع الفرح
لم يكن إيلي الوحيد الذي تحدث في تلك الجلسة حينها. فميرنا إبنة الحركة المريميّة تشرح معاناتها حتى استطاع المجتمع أن يتقبلها وتقول: "أنا تقبلت إعاقتي والمجتمع وجد صعوبة في تقبّلي"، هي التي تشير الى أنها "دخلت في الحركة المريمية في إحدى الكنائس بعد معاناة، فالكهنة كانوا يجدون صعوبة في تقبّل أمثالنا داخل الحركات ولكن وبعد صراع طويل نجحنا وأثبتنا أننا قادورن على أن نزرع الفرح في قلوب الآخرين على غرار سوانا".
حال ميرنا تعتبر أفضل من حال شربل الذي بالكاد يسمع ويستطيع التركيز لكنه بالمقابل "يشكّر الله على كلّ ما أعطاه إياه". يلفت شربل الى أنه "إبتعد عن الله كثيراً في البداية فهو كان يلومه على ما أصابه ولكن المرافقة في "أنت أخي" ساعدته كثيراً على فهم الأمور وإكتشاف أن الله ليس من شوّه له جسده". ويشير الى أنه "أدرك الى أن كل الأمور في الحياة تحتاج الى قرار"، ويقول: "يوم قررت أن أتخطى الصعوبات وأعيش بسلام وفرح مع إخوتي تخطيت مشكلتي".
نركّز على ما لدينا
جاء دور غسان، الذي يعاني من "إعاقة تراجعية" وهذا لم يمنعه من أن يحب ما يقوم به، فهو تعايش مع الحالة التي ترافقه منذ أكثر من تسعة عشر عاماً، ووضعه يختلف عن باقي زملائه هو الذي لا يستطيع أن يسير بتاتاً الا على كرسي متحرك.
نسأل غسان عما يطلبه من الدولة وعن الحقوق التي يطالب بها فيجيب: "أن تتعامل معنا على أساس أننا بشر". ويتابع حديثه: "من يسمعنا نتحدث بهذه الإيجابية يظن وكأننا نعيش في عالم آخر لا هموم لدينا، ولكن هذا غير صحيح فالشيء الإيجابي الوحيد أننا تعلمنا أن نركّز على ما لدينا وليس على ما ينقصنا".
خدمة المعوقين رسالة
بجوار غسان تجلس نورما وقد أمضت غالبية حياتها تهتم بهؤلاء الأشخاص، هي التي تعتبر أن "ما تقوم به هو رسالة أكثر منه وظيفة"، وتشير الى أن "هذه التجربة تنقلها يومياً الى أهلها والى أولادها"، وتضيف: "العلاقة مع هؤلاء الأشخاص علمتني الكثير، وكيف أتجاوز الصعاب في حياتي الخاصة وكيف أشعر بالفرح في كلّ لحظة وأشكر الله على كلّ النعم التي أعطاني إياها". وتلفت الى أن "المرافقة" تعطى الى هؤلاء الأشخاص وفيها يتعلم كل فرد من الموجودين قيمة الله في حياته".
وتشرح أنه "وبالنسبة للأمور التعليمية ففي "أنت أخي" لا يوجد أشخاص صغار في العمر وبالتالي يصلون الى هنا بعد أن يكونوا مرّوا "بالسيسوبيل" وهناك تعطى لهم الدروس أما نحن فنسعى الى الحفاظ على ما تعلموه سابقاً".
صحيح أن الكثير من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة تبقى مهدورة في بلد مثل لبنان رغم كلّ المطالبات، والصحيح أيضاً أن من ينظر الى هؤلاء دون أن يتحدث اليهم يشعر بالشفقة عليهم، ولكن من الأجدى أن يشفق الإنسان على نفسه قبل أن يشفق عليهم، لأنّ الشخص السليم لم يتوصل الى الإقتناع بما لديه رغم كل النعم التي أعطاه إياها اللّه كما هم مقتنعون وفرحون بحياتهم.
تصوير محمد سلمان (الألبوم الكامل هنا)